مقال ل :د/ قاسم المحبشي" فيما يشبه التضامن مع فلسطين التي خذلانها !" - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الأربعاء، 26 يوليو 2017

مقال ل :د/ قاسم المحبشي" فيما يشبه التضامن مع فلسطين التي خذلانها !"

مقالات
فيما يشبه التضامن مع فلسطين التي خذلانها ! 

وشهد شاهد من أهلها .. فلسطين ومسؤولية بريطانيا!

  ليس القدس وحدها بل فلسطين كلها 

إذا كان موقف توينبي من القضية الفلسطينية قد شابه الغموض والتردد قبل الحرب العالمية الثانية، فإن هذا الموقف تبدل كلياً بعد الحرب، ولاسيما بعد أن شاهد معاملة اليهود للعرب في فلسطين سنة 1947 وما تلاها, منذ ذلك الحين أخذ توينبي يصرح بموقفه الرافض للاستيطان والاحتلال الإسرائيلي ويؤكد حقوق الفلسطينيين في أرضهم وهو ما كشف عنه في كثير من الحوارات والمحاضرات والمقالات والكتابات. ومنها ذلك الحوار الذي جرى بينه وبين الصحفي البريطاني (لويس أيكس) ونشر في مجلة دراسات فلسطينية عدد الربيع لعام 1973، وجاء في رده على سؤال أيكس: "هل تعتقد أن بلفور كان أعمى عن رؤية مرامي التصريح؟" رد توينبي: "كلا. لقد كان يفهمها. وهناك مذكرة منه إلى زملائه يقول فيها: لا أستطيع أن أفهم لماذا جعلتم هذا الانتداب حرف (أ) الذي يعني حق تقرير المصير، إذ أننا لا ننوي أن نعطي هؤلاء حق تقرير المصير. وهو يعني (بهؤلاء) الفلسطينيين (العرب). وإذن فقد كان يعرف ما يفعل. إنني أقولها لك صريحة: لقد كان بلفور رجلاً شريراً. كان بلفور يعرف كل التعبيرات الغامضة مثل تعبير وطن قومي. وكانت هذه متعمدة في تصريح بلفور. وكذلك قوله (الحقوق المدنية والدينية) وليست (الحقوق السياسية) للجماعات غير اليهودية الأخرى في فلسطين. إنني أعتقد أن كل كلمة قد كتبت بعناية لتكون غامضة. وهذا أمر سيء جداً".
من الإنصاف القول أن انتقادات توينبي لإسرائيل واليهود قد أثارت عليه موجة واسعة من النقد والتنديد، المباشر وغير المباشر، وفي 31 يناير 1961 حدثت مناظرة بين توينبي وسفير إسرائيل في كندا (ياماكوف هرتزوك) وهذه المناظرة هي عرض موجز لدعاوى اليهود وأسلوبهم في طرح مشكلتهم والدفاع عن دعواهم، تحتوي أيضاً على أهم الأفكار التي دافع عنها توينبي بشأن إسرائيل وفلسطين، وخلاصة آراء توينبي في تلك المناظرة يمكن تلخيصها بالآتي:
يقول هرتزوك: "إن لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين". ويرد توينبي: "إن حق اليهود في فلسطين قد زال بزوال دولتهم ومجتمعهم من فلسطين على يد الرومان منذ سنة 135م. وأن فلسطين أصبحت من حق الشعب الذي سكنها من قبل ذلك التاريخ ومازال يسكنها عندما أعلنت بريطانيا وعد بلفور. ولو سلمنا بصحة دعوى اليهود لكان علينا أن نسلم بحق الويلشيين في بريطانيا. وعلينا في هذه الحال أن نرحل نحو 50 مليون إنجليزي ونطردهم ليكونوا لاجئين". ويقول توينبي: "إن السفير يناقض نفسه فهو يطالب بعودة اليهود إلى فلسطين مع أنه لم يكن هناك استقرار سكاني يهودي ثابت في فلسطين منذ سنة 135م وينكر على العرب الفلسطينيين هذا الحق مع أنهم طردوا بالقوة من بلادهم منذ عهد قريب، سنة 1948م. ويقول هرتزل: "أن اليهود لم يطردوا الفلسطينيين، وإنما ترك الفلسطينيون بلدهم وأصبحوا لاجئين استجابة لنداء زعمائهم". ويرد توينبي: "إن الفلسطينيين أكرهوا على ترك وطنهم نتيجة المذابح الصهيونية ونتيجة لإنذارات القوات المسلحة الإسرائيلية بأنهم سيذبحون كل فلسطيني يبقى في فلسطين كما ذبحوا النساء والشيوخ والأطفال في (دير ياسين). ويقول هرتزوك: "إن الفلسطينيين قد فقدوا حقهم وأملاكهم في فلسطين نتيجة لخروجهم الطوعي منها". ويرد عليه توينبي: "إن خروج العرب من فلسطين سواء كان حكمة منهم أو لأنهم هربوا من خطر الموت المحتم لم يفقدهم حقوقهم في وطنهم وأملاكهم. كما أن اليهود الذين هربوا من ألمانيا في عهد هتلر، وملايين الفرنسيين الذين نزحوا من شمال فرنسا إلى جنوبها بعد الغزو النازي سنة 1940. لم يتخلوا عن حقوقهم وأراضيهم وممتلكاتهم وبيوتهم، فكذلك الفلسطينيون مازالوا أصحاب الحق في فلسطين. وأن ما فعلته إسرائيل هو سرقة ونهب".
ويعترض هرتزوك على مساواة توينبي بين مذابح النازيين لليهود وسلوك الصهاينة مع العرب سنة 1947 - 1948. ويرد توينبي: "إن القتل هو القتل سواء أكانت الضحايا عربياً واحداً أم ستة ملايين من اليهود، وأن ما نكره فيما فعله الألمان هو أن جرائمهم كانت تدرس وتخطط سابقاً، ثم يجري تنفيذها بدم بارد وعنف شنيع، وهدف لعين. وأنا موقن أن جميع الصفات تنطبق على مذابح إسرائيل للعرب في فلسطين". ويضيف توينبي: "زرت اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، وشاهدت مأساتهم وسمعت أطفالهم في غزة يقولون: "كانت هذه أرضنا ونحن مصممون على العودة".
وفي حوار توينبي مع ابنه فيليب، قال الابن أنه شخصياً ينظر إلى اليهود بكونهم غرقى يتعلقون بالمجداف، ورد الأب: "نعم يتعلقون به ويدفعون أصحاب المجداف الشرعيين من فوقه". وأكد توينبي لابنه أن بلاده تتحمل مسؤولية ضخمة، لأنها هي التي مكنت اليهود من احتلال فلسطين، كما أن الولايات المتحدة تتحمل القدر نفسه من المسؤولية، فالأمريكيون يعرفون اليود ولكنهم لم يسمعوا أبداً عن العرب، ولديهم شعور بأن المواطنين الأصليين ليست لهم حقوق وقد نظروا إلى العرب في فلسطين نظرتهم إلى الهنود الحمر الأمريكيين.
وفي رده عن مقال كتبته (مس سيركن) بعنوان (البروفيسور توينبي واليهود) اتهمته بأنه موالٍ للعرب. أكد توينبي: "إنني في كلتا الحربين العالميتين خدمت موظفاً مؤقتاً في وزارة الخارجية ولم أكن قط في موقف موالٍ للعرب، وكنت على الدوام معارضاً شخصياً للسياسة البريطانية بشأن فلسطين. وإنني أحمل بريطانيا أكبر قسط من المسؤولية في النزاع بين العرب واليهود، ولكوني بريطانياً، فإنني أشعر شخصياً بهذه المسؤولية، ولأنني لست عربياً ولا يهودياً، فليس لي أية مصلحة شخصية في أن أحابي أو أحمل على أي الفريقين، وأنني أعتقد فيما يتعلق بالمشكلة القائمة بين الفلسطينيين والصهيونيين، أن الفلسطينيين العرب على صواب وأن الإسرائيليين على خطأ".
ويوافق توينبي في قوله هذا المؤرخ جواد علي الذي كان على اتصال دائم به، إذ يرى "أن دفاع توينبي عن الفلسطينيين لا عن عداوة للصهيونية ولا عن حب للعرب، بل كان مدفوعاً بعقيدة إنسانية ونزعة أخلاقية ترفض العنف والظلم والتعصب"( ). وتتجلى نزعة توينبي الأخلاقية وحساسيته الدينية المسيحية في قوله: "عندما نعتقد نحن المسيحيين والمسلمين واليهود أن الله غيور، ونعتقد بأنفسنا أننا شعب الله المختار فإنه يوسوس إلينا أن نحتقر الأديان الأخرى وأن نخمد أنفاسها عندما نقدر على ذلك. وأن مأساة اليهود في عالمنا الحديث هي أنهم بدلاً من أن يتعلموا من مصائبهم وآلامهم، قد صنعوا بغيرهم من العرب الفلسطينيين ما صنعه الآخرون بهم، أي النازيون، لكن من حيث إن اليهود من الناحية الروحية شعبٌ له صفاته الخاصة بعد أن حنكته التجارب القاسية وعلمته المحن المتواصلة الدروس الروحية التي نقلها إلى نصف البشرية من المسيحيين والمسلمين، فإني أشعر بأن مأساة جرائم إسرائيل والصهيونية أعظم شأناً من مأساة جرائم النازية، وأن مقياس المأساة ليس إحصائياً، بل روحياً أخلاقياً، وأن الألمان عندما اقترفوا ما اقترفوا من آثام ضد اليهود لم تكن لديهم خبرة اليهود الواسعة وتجاربهم الراسخة، وليس لديهم ما لدى اليهود من استنارة روحية فياضة و"إن من أعطى الكثير يجب أن يطلب منه الكثير" وأعتقد أن هذه الحكمة يهودية لأنها تنسب للمسيح وإني واثق أنها حقيقية. بل حقيقة سامية عندما يكون ما يعطى ألماً وما يطلب هو الرحمة والخير، والمرء كإنسان يحاول التقليل من شأن الظلم الذي اقترفه والألم الذي أحدثه، لكن هذا المرض يجلب حقاً النقمة الإلهية والطريق الوحيد للقضاء عليه هو اعتراف المرء بذنبه، وفي أن يعمل كل شيء في حدود إمكانه ليكفر عنه. وهذا الطريق الوحيد لإسرائيل وبريطانيا وألمانيا لأنها الطريقة الوحيدة لأي واحد منا.
هكذا يكشف توينبي عن إحساس عميق بتأنيب الضمير، ويدعو إسرائيل وبريطانيا وأمريكا والغرب عامةً إلى الاعتراف بالذنب والتكفير عن جميع الآثام التي اقترفت بحق الشعب الفلسطيني، لكن هل تحل المشكلة بالاكتفاء بترديد مشاعر المؤمن لدى رؤيته الوقائع الفظيعة؟
إن توينبي إذ يرفض التعصب الصهيوني ويدين العنف الواقع على الفلسطينيين لم يقل لنا رأياً واضحاً في الكيفية التي يفترضها لحل المأساة الفلسطينية. لقد ظل توينبي حتى آخر حياته يدعو إلى المثال المسيحي في الصبر والانتظار والسلام، وإذ دوى في وجدانه صوت الإله المجيب: "تمسك وانتظر" راح هذا المؤمن ينقل إلى الجيل هذا الرجاء النبوي.
يقول (ي. ي. هيلز) في تقويمه تفسير توينبي: "الحق أن توينبي يستخدم معرفته الواسعة للتاريخ لكي يبين لنا تعاليمه الدينية ويؤكدها", وفي نقده عقيدة الشعب المختار, يقول توينبي: "أن لا أؤمن بأن إلهاً هو في الوقت نفسه محب وقادر على كل شي يفضل بعض أبنائه على بعض تفضيلاً يثير في نفوسهم الحسد والبغضاء، إن هذا التمييز لم يصنعه الله وإنما يعود إلى خطيئة عبادة ألذات، أي الأنانية القومية المتعصبة، وهو خطأ أخلاقي مثلما هو خطأ علمي، وأنا لا أعتقد بأن اليهود البريطانيين أو الإسرائيليين هم شعب الله المختار، ولا أؤمن بأن إعادة استيطان اليهود في فلسطين هو الكمال الذي دأب على إنجازه جميع التاريخ منذ العقد الثاني في القرن السادس قبل الميلاد"
لعل توينبي في هذا النقد أراد دحض الفكرة المحورية الصهيونية التي تذهب إلى أن تحقيق الكمال الإنساني والوصول إلى نهاية التاريخ، لا يتم إلا حينما يحل الله في الأرض والتاريخ، والأمة أو عندما تبلغ الفكرة غايتها إذ يتوحد الله والتاريخ والشعب والدولة والأرض في كيان عضوي واحد هو إسرائيل الكبرى (من نهر مصر إلى نهر الفرات) عرضاً، ومن الجنوب إلى مدخل حماه وجميع لبنان جهة مشرق الشمس من بعل جاد تحت جبل حرمون إلى مدخل حماه( ) مع طرد كل الساكنين بهذه الأرضين لأن الرب قال: "سأطردهم من وجه بني إسرائيل، وأنت تقسمها بالقرعة لإسرائيل ميراثاً كما أمرتك.

وفي كتابه (فلسطين جريمة ودفاع) أكد توينبي مسؤولية جميع الأطراف الذين ارتكبوا هذه الجريمة الكبرى بحق الشعب العربي الفلسطيني، ويركز إدانته على المسؤولين الرئيسين بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عامةً والصهيونية العالمية، فلولا أن اليهود كانوا جزءاً من العالم الغربي، الذي بسط سلطانه على العالم، لما استطاعوا أن يقهروا عرب فلسطين ولولا الولايات المتحدة الأمريكية وإسنادها العسكري والسياسي والاقتصادي للصهيونية، لما كان بالإمكان أن تظهر إسرائيل للوجود، لما أستمرت على البقاء بعد أن أوجدت. وتنحصر مسؤولية ألمانيا في اضطهادها لليهود اضطهاداً وحشياً، فاستغل الصهاينة ذلك في حمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين. ويرى جواد علي أن الصهيونية قد شجعت على ظهور اللاسامية وعلى إثارتها لحمل اليهود على مغادرة أرض الشتات إلى أرض فلسطين، واشتركت وتعاونت مع النازيين في إخراج اليهود من ألمانيا وهذا ما كان يريده الألمان للتخلص منهم أولاً، ولا حراج البريطانيين اخيراً وهم أصحاب الانتداب على فلسطين بل اتهم بعضهم مثل (كستنر) Kastner وغيره من الصهاينة بمعاونة النازيين في قتل اليهود، وقد اتضح بعد الحرب العالمية الثانية من الوثائق السرية أن جماعة من يهود ألمانيا كانت تتعاون مع (هملر) رئيس الـ SS (أس أس) في أمور اليهود لخلق جو مرعب من اللاسامية يدفع اليهود على ترك ألمانيا إلى فلسطين. لكن هل كان موقف توينبي من القضية الفلسطينية والاستيطان الصهيوني نابعاً من قناعات إنسانية مبدئية ومنطلقات سياسية ثابتة وواضحة؟ هذا ما سنحاول الكشف عنه في الخطاب التوينبي. لقد كان موقف توينبي من مأساة فلسطين موقفاً أخلاقياً أكثر منه سياسياً، إنه موقف نابع من إحساس بتأنيب الضمير الديني والنزعة السلامية لديه، فقد عُرف بكره العنف والحرب والتعصب بكل أشكاله، ودعوته إلى دين المحبة المسيحي العالمي، فليس هناك أبغض إلى نفس توينبي، من الحرب ومن القومية لكونها سبباً رئيساً من أسباب الحروب، فالحرب عند توينبي هي أم الكبائر، وهي أحد أعراض نتائج فشل الإنسان الخلقي. وفي تعليقه على كتاب برتراند رسل (هل للإنسان مستقبل؟) قال أن "جيلنا هو الجيل المجرم وأن الرغبة في القتال ترسبت في النفسية البشرية من العصور القديمة، إذ كان الإنسان يقاتل الوحوش حتى يكتسب لنفسه البقاء، ولما أصبح سيد هذه الوحوش أخذ يشيع سجية القتال المجبولة في نفسه في حرب يقاتل فيها الأخ أخاه".

مقتطف، من كتابي، فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر: أرنولد توينبي موضوعاً، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء 2006، ص267.

الأستاذ الدكتور قاسم عبد عوض المحبشي.
نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية في جامعة عدن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق