قبل ثلاثة أعوام تقريباً، قابلت رجلاً بدوياً يحمل سلاحه العسكري على كتفه ويمسك بيديه ابنتيه الصغيرتين، وكنت منتظرا أحد أصدقاء، جلس الرجل إلى جواري مع ابنتيه، فدنت الصغيرة مني فتبسمت لها وأخذت أكلمها حتى جاءت التي تكبرها بقليل وانغمست معنا في هذا الحديث والأب يستمع إلى كلام ابنتيه وهو يبتسم، دهشت من ذكائهن وردوهن فقلت له وأنا أضحك : " ماشاء الله، ربي يحفظهن لك "، فأجابني بحسرة وقد سبقتها الآه من صدره : " إن ما تسمعه من ذكاء في كلامهن، لا ينعكس أبداً على مستواهن الدراسي، مستواهن الدراسي ضعيف، الزوجة ( أمية ) لاتجيد القراءة والكتابة لأنها عاشت في الريف، وأنا مشغول مع عملي ومع توفير لقمة العيش لهم، أحاول أنا أجعلهن يتعلمن عند بنت من بنات الجيران! ".
كلامته تلك ذكرتني بمقولة الشيخ عبدالحميد بن باديس والتي يقول فيها : " إذا علمت رجلا فإنك تعلم فردا، وإذا علمت أمرأةً فإنك تعلم أمةً "، وبالمناسبة الشيخ عبدالحميد بن باديس، كان شيخاً مجدداً، قاوم الاحتلال الفرنسي لبلاده بسلاح العلم، فعندما كانت فرنسا تحاول طمس الهوية العربية والإسلامية للشعب الجزائري - مع وجود الأمازيغ الذين لايتعبرون أنفسهم عرب لكنهم مسلمون ومنهم فاتحون كبار - كان الشيخ عبدالحميد يقيم دروس علوم الشريعة، ويساهم في انشاء المدارس والمساجد، ويحفز ويحث على طلب العلم وتلقي التعليم، وهو ينتمي إلى عائلة ارتبط أفرادها بالنضال مع الأمير المجاهد " عبدالقادر الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي .
ويوم أمس أخبرني صديقي الأستاذ علي باقروان، عن معاناة أهل منطقته ميفع ومعاناة أهل قبيلته آل باقروان الذين مازالوا في نفس المنطقة من عدم تمكن بناتهم الصغار من الإلتحاق بالمدارس، وعدم اعتماد صفوف للبنات في المنطقة، وأنهن لا يذهبن للمدارس إطلاقاً، من أراد أهلها تعليمها ذهبوا بها إلى مراكز " محو الأمية "!
حتى تدخل في الموضوع الأفندم/ عبدالله عبود باقروان، فقام بالسعي في اعتماد صفوف للبنات في مدرسة البندر بميفع، وتابع مع الجهات المختصة الموضوع، وأثمرت جهوده عن اعتماد صفوف للبنات في المدرسة، فذهبن هذا العام لأول مرة إلى مقاعد الصفوف الدراسية، كما حدثني صديقي عن الفرحة العارمة لأهالي تلك المنطقة وهم يرون بناتهم يستسقون العلم من المدرسة، وعن فرحة الأمهات والآباء وهم يرون بناتهم بالزي المدرسي!
فشكراً لأفندم عبدالله، وشكراً لكل من يضيء شمعةً في هذه البلاد، لكل من على يعلم طفلاً، ولكل من يحاول إخراج أبنائنا من ظلمات الجهل إلى نور العلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق