هو من أفضل ثلاثة حكموا حضرموت عبر كل عصورها و مراحلها - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الاثنين، 18 أكتوبر 2021

هو من أفضل ثلاثة حكموا حضرموت عبر كل عصورها و مراحلها


ذلكم هو السلطان صالح بن غالب القعيطي..
هو السلطان المثقف، والقارئ النهّم، الشغوف بعالم الكتب، والذي على يديه توسعت المكتبة السلطانية وأمدت بالآلاف الكتب، والذي عرف عنه إتقانه لعدة لغات أجنبية مختلفة. 

شهدت حضرموت في عهده قفزةً تعليميةً وإداريةً وقانونيةً كبيرة جدًا، فقد حكم السلطنة القعيطية الحضرمية، والتي ضمت معظم أراضي حضرموت لعقدين من الزمان من ( عام 1936م إلى عام 1956م)، وشهد عهده الكثير من الانجازات منها - على سبيل المثال للحصر- إدخال الكهرباء لمدينة المكلا في بداية أربعينيات القرن الماضي، وسن القوانين التي جعلت السلطنة أقرب إلى الدستورية، وحدت كثيرًا من الصلاحيات التي تجعل حاكم البلاد المتحكم بكل السلطات، وجعل الشعب ينتخب حكومته وممثليه عبر " مجلس الدولة " وأنشأ المدرسة الوسطى في غيل باوزير بطواقمٍ تدريسيةٍ متخصصةٍ ومتقنة فبعضهم أوتي بهم خصيصًا من السودان، وأنشأ أول مدراس لتعليم الفتاة في حضرموت، وجعل الطلاب الحضارم يبتعثون للدراسة في الخارج، كما لم يخلو عهده أيضًا من بعض الأحداث السيئة والتي لا يمكن اغفالها.

ولكنه كان محبًا لشعبه، مخلصًا له، ارتقى به كثيرًا، ونهض به عاليًا، ولم يدخر أي جهدًا في سبيل نهضته، حتى قال عنه " محمد بن عبدالكريم الخطابي"- قائد مقاومة الريف المغربي وملهم الثائر جيفارا - :

" إن حضرموت كسبتك كحاكم، ولكن الأمة الإسلاميّة خسرتك كمفكر " 
لمّا تميز به من عقليةً فذة، وفقةً في الدين، وفكرًا جميل، وقلمًا يؤلف الكتب، وذات ليلة جالست شخصًا له ارتباطًا وثيقًا به، وحدثه عمّا قرأته وسمعته عنه، فأخبرني بأنه كان كلما سافر إلى دولة ورأى تجربةً إدارية مميزة رجع إلى بلاده، وتحسر لها، وحاول أن تنعم حضرموت بمثلها!

وفي أواخر عمره حين أراد السلطان صالح العلاج من المرض الذي ألمّ به اقترض من بعض الرعية حتى يذهب للعلاج ، يا اللّه لكم أن تتخيلوا هذا سلطان البلاد ويستدين من الرعية حتى يعالج!

فهذه لم نسمع بمثلها إلا في قصص الحكام الزاهدين الأولين أمثال الفاروق عمر - رضي اللّه عنه- وسبطه عمر بن العزيز - رحمه اللّه - وثلّة من المتأخرين، ولكن هذا الكلام كان واقعًا نعشيه قبل أقل من سبع عقود فقط، فأي سلطان كان هذا، وأي دولة أضاعنا! 

ولعلّ من المفارقات واللطائف العجيبة في حياته قام بإخراجٍ فليمًا سنمائيًا يحمل عنوان " عبث المشيب " يناقش الفليم ظاهرة تزويج الفتيات في سن مبكر لرجال كبار السن، وبالمناسبة هو من أدخل التصوير الفوتوغرافي لحضرموت، نعم ذلكم هو السلطان صالح، فيه تجمع خصائل قلّ ما إن تجتمع في شخصٍ واحدٍ، فهو بلا شك فلتة من فلتات الدهر! 

رحمة اللّه رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته، ولمثلك نحكي، ولمثلك نبكي، ولمثلك نقول قد مرّ وهذا الأثر. 

ناصر بامندود


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق