في زمنٍ تتكاثر فيه الجراح على جسد اليمن، وتتعاقب الأزمات على كاهل المواطن، خرجت عبارة "المغترب الرئاسي" من قلب الشارع، لا من دهاليز السياسة. أطلقها الشاب اليوتيوبر الحضرمي زكريا بابعير بلهجة الناقم والمحب، فاخترقت أسماع الناس، لأنها قالت ما لم تقله البيانات: لدينا قيادة... لكن في المنفى.
أعضاء المجلس الرئاسي، الذين وُعد بهم الشعب كطوق نجاة في بحر من الفوضى، يغادروا البلاد الواحد تلو الآخر، وكأن اليمن لم يعد وطناً صالحاً للسكن السياسي، تنقّلوا بين العواصم، وجلسوا في الفنادق، وتحاوروا في المؤتمرات، بينما بقي المواطن في طوابير الغاز، وتحت حرارة الانقطاعات، وفي مواجهة مع الغلاء والخذلان.
تُدار البلاد عن بُعد او عبر الواتس آب، كما لو أنها شركة رقمية، لكن الواقع صلب ومؤلم: مدارس بلا مقاعد، مستشفيات بلا دواء، مدن بلا كهرباء، وشعب بلا سند، الوطن لا يُدار عبر البريد الإلكتروني، ولا عبر الوفود الدبلوماسية، بل من قلب الشوارع، من بين الجدران المتصدعة، ومن وجوه الناس المتعبة.
كيف لمن لم يعش مرارة الطريق، ولم يلمس تراب الأرض، أن يحكم من لا يعرف صوته؟ كيف تُبنى الأوطان بخطابات، بينما تنهار بالبُعد واللامبالاة؟!
"المغترب الرئاسي" ليست نكتة، بل عنوان لوضع عبثيّ يثير الحزن أكثر مما يثير السخرية، فحين يصبح المواطن أكثر ثباتاً من قيادته، تكون المعادلة مختلة، وتكون الغربة الحقيقية في الضمير، لا في الجغرافيا.
ختاماً، اليمن لا يحتاج قادة "يُغادرون عند كل مطب"، بل رجالا يعودون عند كل نداء، هذا الوطن لم يعد يحتمل التجريب، ولا الغياب، يحتاج من يسكنه وجعاً، لا من يزوره توقيعاً، يحتاج قيادة تعيش بين أهله، لا من فوقه.
فهل آن لأعضاء المجلس الرئاسي أن ينصتوا لصوت الوطن... لا لصدى الفنادق؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق