بقلم / انس علي باحنان .. لقاء لم تخبرني به الملامح - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الاثنين، 2 يونيو 2025

بقلم / انس علي باحنان .. لقاء لم تخبرني به الملامح

في مساءٍ هادئ، وعلى هامش ندوة علمية نظمها "مؤتمر حضرموت الجامع" بسيئون، كنت عائدًا إلى منزلي، متأمّلًا ما دار في اللقاء من أفكار ورؤى حول الحكم الذاتي لحضرموت، حينما اعترض طريقي رجل حضرمي بملامح بسيطة، هندامه متواضع، ومظهره لا يوحي بشيء مميز... للوهلة الأولى.
لكنك سرعان ما تكتشف أن المظاهر خداعة. فذلك الرجل، الذي قد لا يأبه به من لا يعرفه، يحمل في داخله من الفكر والثقافة، وسعة الاطلاع، ما يُذهلك ويأخذك إلى عوالم أعمق بكثير من مجرد كلمات.
بادرني قائلًا، بصوته الهادئ ونظرته المتسائلة:
— "حضرت أي فعالية اليوم؟"
أجبته:
— "فعالية عن الحكم الذاتي لحضرموت."
ابتسم ابتسامة خفيفة وقال:
— "وما الحكم الذاتي؟"
كان سؤاله بسيطًا في ظاهره، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لي. فأنا أعلم جيدًا أن خلفيته الثقافية، واطلاعه العميق، لا يمكن أن يجهلا هذا المفهوم، بل أكاد أجزم أنه يعلم بتفاصيله أكثر مما أعلم. لكنه، على ما يبدو، كان يريد أن يسمع رأيي، أن يُصغي لا ليُجادل، بل ليُحاور.
قلت له باختصار:
— "الحكم الذاتي لحضرموت يعني أن يكون لها حكومتها الخاصة، ومجالسها التشريعية، وقضاؤها المستقل، وإدارتها، وأمنها، وجيشها. أن يدير الحضارم شؤونهم بأنفسهم، دون وصاية من أحد، بعيدًا عن التهميش والإقصاء. إنه، ببساطة، مشروع لاستعادة الكرامة، وتحقيق العدالة، ورفع المعاناة عن المواطن الحضرمي."
هزّ رأسه موافقًا، ثم قال بصوت فيه شيء من المرارة:
"طرح جميل... لكن المواطن الحضرمي، بعيد الشر عنك، قد يموت قبل أن يرى هذا الحلم يتحقق."
توقفت لحظة، ثم سألته:
"ماذا تعني؟ وضّح لي، لو سمحت."
أجاب:
"الوصول إلى الحكم الذاتي، وإن لم يكن مستحيلًا، يحتاج إلى وقت. والمواطن اليوم لا ينتظر الحُكم الذاتي، بقدر ما ينتظر لقمة عيش كريمة، تقيه ألم الفقر والجوع والمرض. إنه يبحث عن أبسط حقوقه... كهرباء لا تنقطع، ماء نظيف، نوم هادئ بلا بعوض ينهش جسده. أليس هذا هو الأهم؟ أليس هذا أقرب وأيسر تحقيقًا؟ أليس هذا ما يجب أن نناضل من أجله أولًا؟"
تأملت كلماته بعمق، ثم قلت له:
"كلامك صحيح. لكن، ماذا لو عملنا على المسارين معًا؟ فريق يُناضل من أجل توفير أساسيات الحياة الكريمة للمواطن، وفريق آخر يعمل على تحقيق الاستحقاق الأكبر، وهو الحكم الذاتي لحضرموت؟"
ابتسم وقال:
"فكرة طيبة... لكن علينا ألّا نغلب استحقاقًا على آخر، ولا نفصل بينهما. فالمعركة واحدة، والهدف واحد، والكرامة لا تتجزأ."
عند تلك اللحظة، اجتمع رأينا، واتفقت قلوبنا. كان الوداع هادئًا، لكن صداه لا يزال يتردد في ذهني. فلقائي بذلك الرجل لم يكن عابرًا، بل كان يقظة فكر، وصوت ضمير، ونقطة ضوء في طريق طويل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق