بقلم / انس علي باحنان .. الشرق الأوسط الجديد ،بين نار التقسيم وأمل البناء - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الثلاثاء، 24 يونيو 2025

بقلم / انس علي باحنان .. الشرق الأوسط الجديد ،بين نار التقسيم وأمل البناء

لقد آن الأوان أن نغلق صفحة الهزائم العسكرية، ونفتح كتابًا جديدًا عنوانه: "معركة الفكر والحضارة والتنمية الاقتصادية". فبعد إخفاقاتنا المتكررة في ميادين الصراع المسلح، لا خيار أمامنا إلا أن نحوّل بوصلتنا نحو معارك البناء والتنوير، حيث يكمن النصر الحقيقي، والانتصار الدائم.

لقد اعتدنا – نحن أبناء الأمة العربية والإسلامية – أن تكون كل أزمة سياسية أو عسكرية كبيرة في منطقتنا، لا سيما في الشرق الأوسط، مقدمة لنتائج غالبًا ما لا تكون في صالحنا، بل تُعمّق جراحنا وتُراكم خيباتنا.

خذ مثالًا من الواقع القريب؛ الحرب التي شُنّت مؤخرًا، بغطاء أمريكي-إسرائيلي، على جماعة الحوثي في اليمن، والتي استهدفت بعض الموانئ الحيوية ومطار صنعاء الدولي. في المقابل، قيل إن الحوثيين استهدفوا بعض المصالح الغربية في البحر الأحمر، ولا نعلم مدى صحة ذلك، لكن السيناريو كان معدًا بإتقان، والمسرحية أُخرجت بإحكام، حتى خرج الرئيس الأمريكي معلنًا ما أسماه "استسلام الحوثي"، ومبشّرًا بوقف الحرب.

لكن، ويا للعجب، كانت زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة تتويجًا لحدث آخر: توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، قيل إنها لمشاريع تنموية، لكنها صبت – كما جرت العادة – في خزائن الاقتصاد الأمريكي، وذهبت من جيوب العرب. دهاء غربي لا يُضاهى، وسياسة تُدار بحرفية، ومكرٍ يُحاكي الأساطير.

واليوم أو غدًا، قد نسمع بانتهاء الحرب التي تُخاض ضد إيران. ومن يظن أنها ستطول أو تتوسع فهو واهم، فهذه الحروب مرسومة بعناية، ومُخطّط لها مسبقًا، بحيث لا تتجاوز حدود الجغرافيا العربية، وتظل تحت السيطرة، لا لشيء، سوى لتنفيذ أجندات مدروسة، تُرسَم في الغرف المغلقة، وتُفرض على الواقع بقوة الحديد والنار.

نعم، إن ما يجري هو تنفيذ دقيق لخطة تريد:

1. إخراج إيران من معادلة التوازن الإقليمي، عبر توجيه ضربات موجعة تُفقدها أهليتها في أي تسوية مستقبلية.


2. إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، لتكون إسرائيل فيه هي رأس الحربة، والرقم المحوري، بعد تحييد طهران، وشلّ إرادة أي قوى محتملة كتركيا أو مصر. وكل من يحاول الخروج عن الطوق، فلن يُقابل إلا بالعصا الغليظة.


3. فرض التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني كأمر واقع، وإعادة إنتاج المنطقة وفق تقسيمات جديدة، تُجزئ المجزأ، وتُضعف الضعيف، وتجعل الجميع رهائن عند صانع القرار الغربي.



أمام هذه المعادلات الجائرة، تبقى الحكمة أن نتمسك بما بقي لنا من عناصر القوة، وألا نُغامر بما تبقّى تحت وهم البطولات الزائفة. فـ"ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلّه"، ومن كانت يده تحت الحجر، فليسحبها بلطف وذكاء.

إنّ العنتريات لم تعد تنفع، والتجارب أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن أمتنا لا تزال في موقف ضعف، أمام خصم يملك ترسانة عسكرية هائلة، ويُدير معاركه بذكاء استراتيجي، مدعوم بأذرع إعلامية، ودبلوماسية، ومراكز بحث وتخطيط لا تعرف العشوائية، ولا ترضى بالارتجال.

كلمة أخيرة:

إن على أمتنا العربية والإسلامية أن تُسلّم – ولو على مضض – بأنها متخلفة عسكريًا، ومفتقرة إلى الاستقلالية في القرار القتالي. وهذه ليست دعوة للانهزام أو الخنوع، بل دعوة للعقلانية والبصيرة.

فالحكمة تقتضي أن نُغيّر استراتيجية المواجهة، وأن نُحول مسار المعركة من ميدان السلاح إلى ميدان الفكر، ومن سباق السلاح إلى سباق العلم، ومن خنادق القتال إلى منارات التنمية. علينا أن نُعِدّ الإنسان العربي إعدادًا علميًا وثقافيًا وأخلاقيًا واقتصاديًا، وأن نؤسس لنهضة حضارية شاملة، تجعل من المعرفة والتنمية سلاحًا، ومن الأخلاق راية، ومن القيم الإنسانية جسرًا نصل به إلى العالم، لا عدوًا بل شريكًا في الخير والبناء.

إن مشروعنا القادم يجب أن يكون مشروعًا إنسانيًا نهضويًا، لا تُقابله المدافع، ولا يُستفز له العدو، كما تفعل مشاريع الصبغة العقائدية. يكفينا من الانتكاسات والهزائم، ولْنحافظ على ما تبقى من مقدراتنا العسكرية، ولنجعل معركتنا القادمة: معركة اقتصاد وفكر، وعلم وقيم، وعدالة ورحمة، ورفعة للإنسان حيثما كان.

فإن كان للغير ميدانهم، فإن لنا ميداننا أيضًا. ولن نخسر هذا الميدان، إلا إن تخاذلنا عن خوضه.
وفق الله الجميع لما فيه الخير 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق