بقلم / أنس علي باحنان .. إسرائيل وإيران ، صراع في ظل وهم القطب الأوحد - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الثلاثاء، 17 يونيو 2025

بقلم / أنس علي باحنان .. إسرائيل وإيران ، صراع في ظل وهم القطب الأوحد

إنَّ الأحادية والتفرُّد المطلق لا يكونان إلّا للواحد الأحد، الفرد الصمد، الواجد لهذا الكون وما فيه من كائنات ومخلوقات. فهو وحده المستحق للهيمنة المطلقة، والملك التام، والحكم العدل الذي لا يُنازع.

أما عن نظرية "القطب الأوحد" في السياسة والاقتصاد والاجتماع، بل وحتى في الدين، فهي فكرة شاذّة دخيلة، أراد أربابها فرضها بالقوة والإكراه، متجاهلين بذلك سنن الله في الخلق، وفطرة الإنسان التي جبلت على التنوّع والتعدد والاختلاف، كما قال تعالى: "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك".

لقد تعمّقت نظرية القطب الواحد واستفحلت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وسقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان قطبًا ندًّا موازنًا، مما فتح المجال واسعًا أمام الرأسمالية الغربية لتتفرّد بالعالم، وتعلن نفسها "القطب الأوحد"، و"الشرطي الدولي" الذي لا يُرد له أمر، ولا يُرفض له طلب.

ذلك التفرد لم يأتِ بالسلام، بل جرّ على العالم ويلات متتابعة من الحروب والصراعات، منها ما كان بالأصالة ومنها ما كان بالوكالة. لقد كانت الهيمنة سببًا في إشعال النزاعات، وتأجيج الفتن، وانتهاك السيادات، وتكريس الاستعباد تحت شعارات زائفة كمحاربة الإرهاب أو نشر الديمقراطية والسلام العالمي وغيرها من الشعارات البراقة .

وما نراه اليوم من صراع ملتهب في الشرق الأوسط، آخره الحرب الإيرانية-الإسرائيلية التي نعيش فصولها، ما هو إلا امتداد لهذه النظرية العقيمة. وإن قدّر لإسرائيل -لا قدّر الله- أن تخرج منتصرة، فلن تكون إيران آخر خصومها، بل ستتجه نحو غيرها ممن تراه ندًّا أو تهديدًا لها، وهكذا تدور دوّامة الحروب في دائرة جهنمية لا تنتهي.

إنَّ استمرار العالم في الدوران حول فلك "القطب الأوحد" إنما يعني الغرق في مستنقعٍ من الدماء والدمار، واتساع شقّ الخراب حتى يعجز الرقع، وبلوغ الفساد مداه، حتى لا تُبقي الحروب ولا تذر، وتأكل الأخضر واليابس، وتتحوّل الأرض إلى مقبرة كبرى نسأل الله السلامة والعافية.

من هنا، فإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق العقلاء وأحرار العالم، وكل من يملك ضميرًا حيًّا من بني آدم، أن ينهضوا لإنقاذ الإنسانية من هذا المصير المشؤوم، وأن يُدركوا أن الله خلق هذا الكون متسعًا للجميع، وسخّره للإنسان ليعمره لا ليُفنيه، وليُبقي فيه حرية العيش والكرامة لكل مخلوق، بعيدًا عن الطغيان والاستعباد ، فـالعبودية لله وحده لا ينازعه فيها أحد.

نعم، إن نظرية التفرد والاستبداد، هي نظرية فرعونية بائدة، قال فرعون: "ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري" وقال: "أنا ربكم الأعلى"، فجاءه الهلاك من حيث لم يحتسب، وقضى الله عليه عبرةً لكل طاغيةٍ ومتكبر. وهكذا سُنَّة الله في الخلق، أن لا يدوم ملكٌ جائر، ولا يستقر سلطانٌ فاسد، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.

أيها المتربصون بالعالم، كفّوا عن إشعال النيران، وتوقفوا عن تبنّي هذه النظرية الظالمة، فهي لا تجرّ على البشرية إلا الويلات والدمار، ولا تليق بالإنسان الذي كرّمه الله، واستخلفه في الأرض، أن ينحدر إلى دركٍ سحيق من الانحلال والوحشية، حتى يصير كالوحوش التي لا ترى في غيرها سوى فريسة.

نعوذ بالله من انتكاس الفطرة، ونسأله أن يردّ الإنسان إلى رشده، ويعيد للعالم توازنه، ويشيع فيه العدل والسلام، إنه سميع مجيب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق