بقلم / د. أحمد باصهي .. شخصية حضرموت ،أصالة إنسان وملامح وطن - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الأربعاء، 6 أغسطس 2025

بقلم / د. أحمد باصهي .. شخصية حضرموت ،أصالة إنسان وملامح وطن

حين يُذكر اسم حضرموت، تقفز إلى الذهن صورة هادئة لرجل بسيط الملبس، عميق الفكر، صادق الكلمة، معتزّ بأرضه وموروثه، لكنه في الوقت ذاته متواضع، لا يرفع صوته إلا لقول الحق، ولا يمشي بين الناس إلا بخُطى واثقة تحترم الأرض التي تنبت الرجال.

فـ"شخصية حضرموت" ليست مجرّد قالب جغرافي، بل بناءٌ حضاري تراكمي، صاغته قرون من الهجرة والعودة، من التصوف والتجارة، من العلم والعمل، من التهميش والصبر، ومن الانفتاح على العالم دون التفريط في الجذور. إنها شخصية مركّبة، متزنة، لا تعرف الانفعال إلا عند خدش الكرامة أو مصادرة الهوية.

الحضرمي بطبيعته يميل إلى الهدوء أكثر من الجلبة، وإلى الفعل أكثر من القول. رجل أعمال في طبيعته، ومثقف بالفطرة، يتحدث بلغة الحساب والمنطق، لكنه لا يتخلى عن وجدانه عندما تتصل الأمور بالشأن العام أو المصير الجمعي.

وإن كانت الجغرافيا قد وهبته صحراءً قاسية وبحرًا متقلّبًا، فإن التاريخ قد منحه شخصية مرنة، قادرة على التكيف، متمرّسة في بناء العلاقات، ومؤمنة بأن المجد لا يُمنح بل يُنتزع بالعلم والعمل والخلق.

ومن أبرز سمات الشخصية الحضرمية التزامها الأخلاقي القوي. فالحضرمي يُعرف بالصدق والأمانة والانضباط في العمل والوفاء في العلاقات. تلك القيم لم تكن يومًا شعارات، بل أصبحت جزءًا من "البراند الثقافي" الذي يحمله الحضرمي معه أينما حلّ، في التجارة، في الدعوة، أو في العمل العام.

وإذا كانت حضرموت قد أنجبت هذه الشخصية المتميزة، فإن المهجر قد لعب دورًا محوريًا في صقلها واختبارها. فالحضارمة المنتشرون في دول الخليج، وشرق إفريقيا، وبلدان جنوب شرق آسيا، حملوا معهم سماتهم الحضارية، وأسهموا في تشكيل صورة إيجابية عن الشخصية الحضرمية. في المهجر، أثبت الحضرمي أنه قادر على التكيف دون أن يذوب، وعلى التأثير دون أن يفرض، وعلى النجاح دون صخب.

وفي ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها اليمن والمنطقة، يبرز سؤال جوهري: إلى أين تمضي شخصية حضرموت؟ وهل تملك من المناعة الحضارية ما يحصنها من الذوبان في مشاريع التبعية أو التذويب السياسي؟

الجواب ليس بسيطًا، لكن المؤشرات تدعو للتفاؤل. فما تزال نُخَب حضرموت، على تنوّعها، قادرة على إدارة خلافاتها دون انفجار، وعلى صوغ خطاب جامع رغم تباين الرؤى. وما زال المجتمع الحضرمي، برغم التحديات، محتفظًا بقدر كبير من الاعتزاز والولاء للمكان، وباستعداد هائل للبناء، إذا ما أُتيحت له الأدوات وتمّ احترام إرادته.

لقد آن الأوان لأن تُعطى "شخصية حضرموت" مجالها الطبيعي لتُعبّر عن نفسها، لا كمجرد مكوّن ضمن معادلات الصراع، بل كهوية مستقلة قادرة على الإسهام في بناء الدولة العادلة، إذا ما احترمت الدولة هذه الشخصية، واستفادت من قيمها.

شخصية حضرموت ليست مادة تراثية للتأمل فقط، بل مشروع وطني حيوي، جدير بأن يُصان ويُطوّر، في وطنٍ يبحث عن الثوابت وسط عواصف التغيير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق