من حضرموت إلى جاكرتا.. كيف أعاد بودكاست واحد تعريف الإسلام لدى الملايين في شرق آسيا - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

السبت، 25 أكتوبر 2025

من حضرموت إلى جاكرتا.. كيف أعاد بودكاست واحد تعريف الإسلام لدى الملايين في شرق آسيا

جاكرتا / تقرير خاص / زأهر بن الشيخ ابوبكر :
في بلدٍ يحتضن أكبر عدد من المسلمين في العالم، تحوّل حوارٌ هادئ إلى حدثٍ استثنائي أعاد تعريف الدين في المخيلة العامة.
فقد تصدّر الداعية والعالِم الإسلامي الحبيب عمر بن حفيظ المشهد الإندونيسي بعد استضافته في بودكاست "Close The Door" الذي يقدّمه الإعلامي الشهير ديدي كوربوزير (Deddy Corbuzier)، بمشاركة الحبيب جندان، ليحصد خلال 24 ساعة فقط أكثر من 4 مليون مشاهدة.
لكنّ سرّ الحدث لم يكن في الأرقام، بل في الرسالة التي حملها الرجل من حضرموت إلى قلوب الملايين في شرق آسيا.

- رسالة إلى القلوب المتعبة

اختارت الحلقة عنوانًا يلامس وجدان كل إنسان:

"Tuk kita semua yang lelah, dan tetap berjuang, dengarlah ini.."
أي: "لكل من تعب ولا يزال يقاوم، استمع إلى هذا."

منذ اللحظات الأولى، بدا اللقاء أقرب إلى جلسة صفاءٍ روحيٍّ لا إلى حوارٍ إعلامي.
بصوتٍ مفعم بالسكينة، تحدّث الحبيب عمر عن الإيمان كرحلة داخلية تعيد الإنسان إلى أصله، مؤكدًا أن الإسلام ليس صراعًا بل سلامٌ ممتدٌّ في الروح، وأن "الإيمان لا يُفرض بالقوة، بل يُزرع بالمحبّة."
كانت لغته تجمع بين صفاء الذاكرة الصوفية ووضوح الفكر المعاصر، فاستقرت كلماته في قلوبٍ ظمأى للطمأنينة.

- "كنت شبه ملحد.. ثم عدت إلى ديني"

لم تكن الموجة الأولى من التفاعل دينية بقدر ما كانت إنسانية.
كتب أحد المتابعين تعليقًا مؤثرًا:

"كنت شبه ملحد، بعيدًا عن أي التزام ديني، لكن بعد استماعي إلى هذه الحلقة شعرت أنني أعود إلى نفسي. حديث الحبيب عمر أيقظ شيئًا في داخلي كنت أظنه مات."

وقال آخر:

"أنا لست مسلمًا، لكني شعرت براحةٍ غريبة. هذا الحديث غيّر نظرتي عن الإسلام تمامًا."

تدفقت هذه الشهادات كإشاراتٍ على تعطّشٍ عالمي لخطابٍ روحيٍّ متّزن، هو ما ميّز منذ قرون مدرسة حضرموت التي جمعت بين العلم والرحمة، والفقه والحال.

- مدرسة حضرموت.. حين يتجدّد النور في الشرق الأقصى

لم يكن نجاح اللقاء مفاجئًا لمن يعرف تاريخ مدرسة حضرموت، التي حمل علماؤها الإسلام إلى جزر الملايو قبل قرون، حيث دخلت الشعوب الإندونيسية في الإسلام بالمعاملة لا بالمناظرة، وبالخلق لا بالقوة ، واليوم، يعود أحد أحفاد تلك المدرسة إلى الأرض ذاتها، لا على متن السفن كما فعل أجداده، بل عبر سفنٍ رقميةٍ تحمل النور في هيئة بودكاست ، إنها عودة للروح الحضرمية التي أثبتت أن الدعوة ليست صخبًا بل حضورٌ ناعمٌ يوقظ الفطرة.
زيارة الحبيب عمر إلى شرق آسيا لم تكن مجرّد رحلة دعوية، بل تجديدٌ لرسالة حضرموت التي جعلت الإسلام لغةً للقلوب، لا للمناظرات.

- من البودكاست إلى المنصات.. لقاء مع نخبة من أهل الفن والإعلام

امتدّ تأثير الحبيب عمر إلى أبعد من جمهور المتدينين، ليبلغ دائرة الفن والإعلام في إندونيسيا.
فقد التقى نخبة من أبرز الفنانين والمؤثرين الذين أبدوا إعجابهم بخطابه الإنساني الهادئ، وناقشهم في مسؤولية الكلمة والإبداع في بناء الوعي العام.
قال لهم في إحدى الجلسات:
"الفن حين يكون صادقًا، يصبح وسيلةً للهداية لا للغواية."
كانت تلك اللقاءات لحظات نادرة من التقاطع بين الروح والجمال، بين منبر العلماء وعدسة الفنانين.

- جولة دعوية في شرق آسيا

تأتي هذه اللقاءات ضمن برنامجٍ دعويٍّ واسعٍ يشمل سلسلةً من المحاضرات والزيارات في عدة بلدان:

إندونيسيا (11–20 أكتوبر 2025): دروس الفجر في مسجد الرياض ومحاضرات عامة في مسجد الاستقلال، مع لقاءات مؤسساتية.

ماليزيا (13–16 أكتوبر 2025): محاضرات في كوالالمبور وبوتراجايا وترنغانو، بمشاركة شخصيات علمية وإعلامية.

تايلاند (21–23 أكتوبر 2025): زيارة المركز الإسلامي في بانكوك ومدينة بتاني التاريخية لإلقاء الدروس العامة.

سنغافورة: زيارة مرتقبة تُعلن لاحقًا لاستكمال الجولة الدعوية.

وقد وصفت وسائل الإعلام المحلية هذه الرحلة بأنها "رحلة النور في جنوب شرق آسيا"، إذ أعادت وصل ما انقطع بين مدرسة حضرموت وملايين الشباب الباحثين عن صوتٍ هادئٍ يقودهم إلى المعنى.

منابر جديدة للدعوة.. وافتتاح مجلس المواصلة في إندونيسيا

ومن أبرز محطات الجولة، افتتاح مجلس المواصلة بين علماء المسلمين – إندونيسيا (Majlis Al-Muwasholah Indonesia) يوم السبت 26 ربيع الثاني 1447هـ الموافق 18 أكتوبر 2025م، بحضور مفتي الهند الشيخ أبو بكر أحمد وعددٍ من منسقي المجالس العلمية.
يُعدّ هذا الحدث خطوة مؤسسية مهمة في تعزيز التواصل بين العلماء والدعاة، وتجسيدًا لرؤية الحبيب عمر في تحويل اللقاءات الروحية إلى مشاريع علمية وتنموية مستدامة.

- أسئلة العصر.. وإجابات من القلب

لم يَخَف كوربوزير من طرح الأسئلة الحسّاسة: عن الإلحاد، والحرية، والعقل، والدين في زمن الحداثة.
لكنّ إجابات الحبيب عمر جاءت مغايرة للسائد؛ لا هجومية ولا دفاعية، بل مفعمة بالفهم العميق والسكينة.
قال في أحد المقاطع المنتشرة:
"الدين لا يواجه الحياة، بل يوجّهها. والمعرفة بلا محبّة ليست هداية."
قدّم بذلك نموذجًا جديدًا للعالم الذي يحاور ولا يخاصم، يشرح ولا يفرض، جامعًا بين الفكر والذوق، والعلم والإنسان.

دعاء لإندونيسيا.. ورسالة للعالم

في ختام اللقاء، رفع الحبيب عمر يديه بالدعاء قائلاً:
"نسأل الله أن يحفظ هذه الأمة، وأن يبارك في شبابها، وأن يملأ قلوب الناس بالنور."

فردّ عليه كوربوزير بعبارةٍ مؤثرةٍ بلُغته الأم:

"Semoga semua doa terbaik kita disini dikabulkan.. Aamin."
أي: "نرجو أن تُستجاب كل دعواتنا الطيبة هنا.. آمين."

كانت تلك اللحظة البسيطة ذروة اللقاء — لحظة صدقٍ إنسانيٍ تجاوز الدين والجغرافيا، لتعبّر عن جوهر مدرسة حضرموت التي تجعل الدعوة جسرًا لا جدارًا.

ما وراء الأرقام.. وعيٌ جديد

يرى محللون أن هذا اللقاء مثّل منعطفًا في علاقة الشباب بالدين؛ إذ كشف أن النفور لم يكن من الإيمان نفسه، بل من أسلوب الخطاب.
لقد برهنت مدرسة حضرموت أن السكينة يمكن أن تكون ثورية، وأن الكلمة الصادقة قد تغيّر مجرى الروح أكثر من أي مناظرة.

من حضرموت إلى العالم.. مدرسة لا تنطفئ

منذ قرون، خرجت من حضرموت قوافل العلماء والتجار إلى أقاصي الأرض يحملون النور بلا ضجيج.
واليوم، يواصل أحفادهم الرسالة ذاتها بأدواتٍ جديدة، ليؤكدوا أن الخطاب الروحي المتوازن ما زال قادرًا على مداواة عطش الإنسان الحديث.
لقد أثبت هذا اللقاء أن مدرسة حضرموت ليست تاريخًا يُروى، بل مشروعًا يُستأنف — مدرسة تُعلّم أن الهداية لا تأتي برفع الصوت، بل بإصغاء القلب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق