بقلم / عامر الحريري .. سقوط الدولة من الداخل ،حين يتحول الفساد إلى نظام حكم - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الخميس، 9 أكتوبر 2025

بقلم / عامر الحريري .. سقوط الدولة من الداخل ،حين يتحول الفساد إلى نظام حكم

لا تنهار الدول تحت ضربات الحرب، فالحرب — مهما بلغت ضراوتها — تظل حدثًا طارئًا في مسار التاريخ، قابلاً للتعافي والنهوض. لكنّ الانهيار الحقيقي يبدأ عندما يتحوّل الفساد من ممارسة طارئة إلى منظومة حكم، ومن انحراف في السلطة إلى عقيدة سياسية تدير بها النخب مصالحها.
حين يغيب التعليم ويُستبدل بالتجهيل، وحين تُختزل العدالة إلى أداة انتقام سياسي، وحين يصبح الولاء الشخصي أهم من الكفاءة، عندها لا تكون الدولة موجودة إلا كهيكلٍ بلا روح، كجسدٍ تآكله السوس من الداخل.
إنّ الفساد حين يترسّخ في مفاصل الدولة يتحوّل إلى ما يشبه "الاحتلال الداخلي"؛ يحتل العقول قبل المؤسسات، ويعيد تعريف الولاء الوطني ليصبح ولاءً للفاسد لا للوطن. وعند تلك اللحظة تتآكل شرعية السلطة، ويتحوّل المواطن من شريك في بناء الدولة إلى ضحية لنظامها.
الدول لا تنهار حين تُقصف مدنها، بل حين تُنهب قيمها. فالقنابل تُرممها المساعدات، لكن انهيار الضمير لا يُرمم. والحروب تنتهي بسلام، أما نظام الفساد فلا يعرف سلامًا لأنه يعيش على استمرار الفوضى، وعلى موت القانون وغياب العدالة.
إنّ أخطر ما في الفساد أنه يعيد صياغة مفهوم الدولة ذاتها؛ تصبح المؤسسات واجهات شكلية، والقرارات تُصاغ في غرف المصالح لا في مجالس الأمة، والوظيفة العامة تُدار بعقلية الغنيمة لا الخدمة. عندها تنقلب الدولة من كيان يخدم المجتمع إلى آلة تستنزفه.
وعندما يتحول الفساد إلى بنية ثقافية، تُسقط الرموز قبل أن تسقط الأنظمة، ويغدو الإصلاح ضربًا من العبث، لأن من يمسك بزمام السلطة لا يرى في التغيير إلا تهديدًا لامتيازاته. وهنا تتجلى المأساة السياسية الكبرى: حين تصبح الدولة ضد نفسها، والحاكم ضد وطنه.
فالحروب تخلق أبطالًا، لكن الفساد لا يخلق إلا خونة.
والدولة التي تنهار بالحرب قد تعود أقوى، أما الدولة التي ينهشها الفساد المنظّم فتموت ببطء، وتموت بصمت، لأنها ماتت أخلاقيًا قبل أن تموت سياسيًا.
#اكتوبر_موعدنا_حضرموت_والضالع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق