بقلم / انس علي باحنان .. المعلم بين مطرقة القضاء وسندان الفقر - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

بقلم / انس علي باحنان .. المعلم بين مطرقة القضاء وسندان الفقر

أن يكون هناك فسادٌ إداريٌّ، ومحسوبيّةٌ، وفوضى ضاربةٌ بجذورها في مفاصل الدولة، فذلك – وإن كان مؤلمًا – قد يُعَدُّ أمرًا مألوفًا كما هو حاصلٌ في كثيرٍ من الدول، السائدة منها والبائدة.
أمّا أن يتسلّل شيءٌ من ذلك الداءِ العضال إلى ميدان القضاء، إلى معقل العدالة، وحِصن الإنصاف، والمنوط به حفظُ الحقوق، ونُصرةُ المظلوم، وإقامةُ العدل، فهذه – واللهِ – أمُّ الدواهي، ورأسُ الكوارث، وقاصمةُ الظهر التي لا بعدها كارثة.

فليس ثمّة ظلمٌ أفدحُ، ولا غُبنٌ أشدُّ، من أن يَصدر الجَورُ من مظنّةِ الإنصاف، وأن ينبعَ الظلمُ من نبع العدالة. وحينها لا نقول إلّا: حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل.

لقد وقفت محكمةُ المكلا بساحل حضرموت، ومحكمةُ سيئون بواديها – الأولى والثانية – أمام قضية المعلمين، تلك القضية التي لا تتعدّى كونَها حقوقًا مشروعةً، وعلاواتٍ سنويةً، وتسوياتٍ وظيفيةً، وترقياتٍ مستحقّةً مضى عليها أعوامٌ طوال، وهي ديونٌ متراكمةٌ في ذمّة الدولة تجاه المعلّم، بموجب القانون والعدالة والضمير.

وفي المقابل، كانت هناك مطالبُ عادلةٌ أخرى برفع الأجور، وهيكلتها بما يتناسب مع الوضع المعيشي للمعلّم، ليكفيه عوزًا، ويسدّ حاجته، ويعيش بكرامةٍ تليق برسالته السامية.

غير أنّ المفاجأة كانت في الحكم الصادر، إذ جاء فحواه:

> "أيّها المعلّم، ليس لك حقٌّ فيما تطلب، ودعواك باطلة، وعُد إلى عملك وأوقف إضرابك."



بل لم يكتفِ الأمر بهذا الجور الصارخ، حتى زِيدَ عليه ظلمٌ آخر؛ إذ أُوقِف صرفُ الرواتب الضئيلة التي لا تسدّ الرمق، ولا تقي من الجوع!
فالمعلّم في حضرموت اليوم محرومٌ من راتبه لشهرين متتاليين، ولسان حاله يقول في حسرةٍ وألم:

> "كُلْ أنت وأولادك التراب، ومُتْ جوعًا أيّها المعلّم!"



كتبنا عن هذا مرارًا، حتى بَحَّت الأصوات، وجَفَّت الأقلام، ولا حياةَ لمن تُنادي!

أما المستجدّات، فهي ما صدر يوم الأحد 9 نوفمبر 2025م عن محكمة سيئون الابتدائية، وجاء فيه:
أولًا: مطالبة المعلمين بتعليق الإضراب فورًا، مقابل إشهار النقابة ودراسة أوضاعها.
ثانيًا: منح علاوة بدل مواصلات للمعلمين المنقولين.

وهذا – في جوهره – لا يختلف كثيرًا عن حكم محكمة المكلا السابق، الذي أُشبِع نقاشًا وجدالًا. غير أنّ الجديد هنا هو مسألة إشهار النقابة، وكأنّ القضاء يقول بلسان الحال:

> "يا نقابات، إن أقنعتم المعلمين برفع الإضراب فأنتم شرعيّون، وإلّا فأنتم خارج النظام والقانون!"



فهل هذه لغةُ القضاء وعدالةُ المحاكم؟!
ومنذ متى كانت الحقوق العادلة تُشترط بإشهار النقابات؟!
إنه استغفالٌ للعقول، وتحريفٌ للكلم عن مواضعه!

وأمّا ما ورد في الحكم عن "علاوة المعلمين المنقولين"، فنسأل المحكمة:
أيّ علاوةٍ هذه التي تتحدثون عنها؟!
ما نريد هو حكمٌ صريحٌ وواضحٌ:
ما موقف المحكمة من العلاوات السنوية، والترقيات، والتسويات، وهيكلة الأجور؟
هل تعدّ هذه المطالب خروجًا على القانون؟! أم هي حقوقٌ أصيلةٌ واستحقاقاتٌ قانونيةٌ لا جدال فيها؟

إنها – واللهِ – مظلَمةٌ عظيمةٌ في عنق القضاء، الذي تجاهل حقَّ المعلّم، واستغفله، وتركه يتخبّط في متاهةٍ من التناقضات، بل وأصرّ على شرعنة الظلم وتكريس الباطل.

وأخيرًا، كلمةٌ إلى نقابة "أنا معلّم" وغيرها من النقابات:
نحن معكم فيما ورد في ختام بيانكم الأخير، من موقفٍ صائبٍ سديدٍ، إذ جاء فيه التمسّك بالإضراب حتى نيل الحقوق كاملةً، فذلك هو طريق الكرامة والعزّة.
أمّا الدعوة إلى استئناف الحكم، فذلك لا طائل منه، ولا ثمرة تُرجى، إذ كيف يُرتجى الإنصاف من محاكمَ كهذه؟!
إنها – للأسف – لا تُنصف مظلومًا، بل تُكرّس الظلم، وتمنحه صكَّ الشرعية.

وإن عجزت هذه المحاكم الأرضية عن إنصاف المعلّم، فما لنا إلّا أن نرفع مظلمتنا إلى محكمة السماء، حيث لا يُظلَم أحد، وحيث الحَكَمُ العدلُ الذي لا يُجارى، ولا يُرَدُّ حكمُه.

> فاللهُ هو الحَكَمُ العدل، وهو نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق