*جمع وترتيب حفيده: أنس بن علي باحنان.*
في مثل هذا اليوم، الثاني عشر من شهر جمادى الأولى عام 1383هـ، رحل إلى جوار ربه العلامةُ الفقيهُ المؤرخُ الشيخ محمد بن علي بن عوض بن سعيد بن زاكن باحنان الأشعثي الكِندي، عن عمرٍ ناهز الحاديةَ والسبعين، قضاها في خدمة العلم والدين، ونشر الفضيلة واليقين.
رحم الله شيخنا الجليل، وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
*مولده ونشأته*
وُلد الشيخُ في مدينة تريم سنة (1312هـ)، وإن كان موطنه الأصلي عينات، إذ كان حين مولده في كفالة عمه، الذي اعتاد التردد إلى تريم لطلب العلم وزيارة الصالحين والعلماء بها.
وقد نشأ بين أبوين صالحين، في بيتٍ تُظِلّه التقوى وتُعطّره أنفاس الورع والإيمان.
*وفاة والده وتكفُّل والدته بتربيته*
لم يكد يبلغ الثانيةَ عشرة من عمره حتى توفي والده، وكان رجلاً صالحًا ناسكًا، ملازمًا للطاعات، مُجافيًا للمحظورات، زاهدًا في الدنيا، راغبًا فيما عند الله.
فنهضت والدته الصالحة بتربيته، وأحسنت غرس الفضيلة في نفسه، فأدخلته مدرسة الشيخ الحسين بعينات، وكانت آنذاك شبيهةً بالكُتّاب، يتعلّم فيها الصبيان القراءة والكتابة.
قرأ على الشيخ عبد الرحيم بن سالم باحمود التريمي القرآن الكريم، وكانت والدته في أثناء ذلك تُغدِق عليه من رعايتها وتشجيعها ما يُذكي في نفسه الأمل، ويهوِّن عليه مشقّة السعي والتحصيل.
وقد كانت تحشد له في بيتها أقرانه وزملاءه، فيتدارسون العلم ليلًا ونهارًا، حتى خُيِّل للناس أن البيت رباطٌ أو خانقاه، لكثرة الغادين والرائحين وعلوّ أصوات المتعلمين فيه.
*تلقيه العلم عن شيخه الأول الحسن بن إسماعيل*
بذلت أمّه رحمها الله غايةَ الجهد في توجيهه إلى الدروس العلمية، بعد بروز الشيخ العلامة الحسن بن إسماعيل الحامدي بن الشيخ أبي بكر بن سالم.
فأدرجته في سلك طلابه، فعنى به شيخه عنايةً فائقة، ووجّهه خير توجيه، وأوصاه بالجدّ والمثابرة، نثرًا ونظمًا.
وقد حفظ عليه كثيرًا من المتون، وقرأ عليه جملةً من الكتب المطوّلة والمختصرة في فنونٍ شتّى: من فقهٍ وتفسيرٍ وحديثٍ وأصولٍ وتصوفٍ وأدبٍ ونحوٍ.
فبرز على أقرانه، ونال قصب السبق في العلم، حتى بشّره شيخه بمستقبلٍ زاهرٍ وألمعيةٍ نادرة، وتبادلا قصائدَ في الثناء والمودة.
*رحلته إلى تريم وطلبه العلم على كبار علمائها*
وحين بلغ سنَّ المراهقة، ارتحل إلى مدينة تريم، والتحق برباطها المبارك، ونهل من معين علمائها الكبار، ومنهم:
السيد العلامة الإمام عبد الله بن عمر الشاطري، والسيد العارف بالله عبد الباري بن شيخ العيدروس،والسيد المفتي الأديب علوي بن أبي بكر خرد، وغيرهم من أعلام تريم.
*تلقيه عن الإمام أحمد العطاس*
وفي آخر شهر صفر سنة (1334هـ) قدم إلى عينات الإمام العارف بالله السيد أحمد بن حسن العطاس، فطلب من شيخه الحسن بن إسماعيل أن يأذن له بمرافقة الشيخ محمد إلى دوعن وحريضة ليتلقى عنه.
فأذن له بعد استئذان والدته، فصحبه في رحلته متنقلًا بين المشهد ودوعن وحريضة، حتى وفاة الإمام العطاس في رجب من العام نفسه.
وقد كانت صحبته القصيرة له من أعظم الأسباب التي فتحت أمامه آفاق المعرفة، ووسّعت مداركه، وأجازه الإمام إجازةً عامةً وخاصة في جميع ما تلقّاه عن مشايخه.
*اشتغاله بالتدريس ونشر العلم*
بعد أن أُسست جمعية الحق وجمعية الفضائل مدارسَ في تريم، فُتحت مدرسةٌ بعينات، فاختير الشيخ محمد باحنان للتدريس فيها نحو سنة (1336هـ).
وقد أسهم إسهامًا عظيمًا في النهضة العلمية التي شهدتها عينات، فتخرّج على يده المئات من أبنائها حتى سنة (1360هـ)، حيث هاجر إلى نِسره بدوعن وأسس بها مدرسة، ثم انتقل إلى صَيْف وأقام فيها مدرسة الفلاح.
وخلال تلك السنين المباركة، انقطع للعلم والتعليم والدعوة إلى الله، فأنشأ أجيالًا من العلماء والفقهاء والمربين.
*مؤلفاته*
ترك الشيخ باحنان تراثًا علميًا زاخرًا، حافلًا في شتى ميادين المعرفة:
*في الفقه*
التعريف بطرائف المختصر اللطيف ، اللؤلؤة الثمينة في نظم سفينة النجاة ، المدد الفائض في علم الفرائض ، طُرفة الإسعاف في بيان شُقّة الاجتهاد والخلاف
*في علوم الشريعة واللغة*
العقد الثمين في سيرة سيد المرسلين وشرحه القول المبين ، القول الصحيح الأرجح في ، بعض مسائل العقيدة ،التذكرة والادِّكار لأهل التبصرة والاعتبار
، رسالة في حياة المرأة المسلمة
، رسالة في علم التجويد ، قرة الطرف في تعليم قواعد التهجي ورسم الحرف ، تقويم اللسان في علمي النحو والصرف.
*في الأدب والشعر*
الروض المؤنق، ويضم: منظومة في قاعدة التهجي، تخميس قوافي الحكيم الترمذي في الوعظ برمضان، تنميق الأسفار بما وقع من الأشعار، العقد الثمين في سيرة وأخبار الرسول الأمين.
*في التاريخ والتراجم وأدب الرحلات*
تاريخ الأحقاف (القول الشاف في تاريخ الأحقاف) في تسعة أجزاء، ومقدمته الإتحاف, جواهر تاريخ الأحقاف (منتخب من القول الشاف) ،الأصداف اختصار لتاريخ الأحقاف ،الوجيز في تاريخ الأحقاف السياسي، الفرج بعد الشدة في ثبات فروع كِندة ،الجواهر المعدّة في فروع كندة ،الدرر النفائس في مشاهير كندة وآل فارس ، قرة العين في تاريخ الهجرين ، مشجرة أصول مشاهير ملوك كندة في الجاهلية والإسلام ،الصحابي الجليل الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه ، ذخيرة الأكياس في مناقب شيخه أحمد العطاس.
الشرف الأصيل في مناقب ، شيخه الحسن بن إسماعيل ، منح المنّان على عبده المفتقر إلى الغفران (ثبت في شيوخ المؤلف) ، بشرى المنقبين عن مجد العموديين، منهل العرفان في تراجم مشاهير بني حنان ، العقود الحسان في شجرة فروع بني حنان.
*في أدب الرحلات*
الرحلة المكية الأولى سنة 1368هـ، والثانية سنة 1382هـ ،الرحلة إلى نِسره ، رحلة السادة البكرية إلى المناطق الحضرمية.
*كما خلّف رحمه الله تعالى خطبًا منبرية، ومناظراتٍ علمية، وحِكمًا جامعة، ورسائلَ أدبية واجتماعية متبادلة بينه وبين مشايخه وأصدقائه، شعرًا ونثرًا، تُغني الباحثين وتُجلي محاسن عصره.
*وفاته*
توفي الشيخ العلامة المؤرخ محمد بن علي بن زاكن باحنان يوم الإثنين، الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1383هـ، ودُفن في بلدة صَيْف بدوعن، وله من الأبناء ثلاثة: بنتان وولدٌ واحد هو الشيخ العلامة القاضي علي بن محمد بن زاكن باحنان.
رحمهم الله جميعًا، وجعل قبورهم روضةً من رياض الجنة، ونفع بعلمهم وذكراهم إلى يوم الدين.
في مثل هذا اليوم، الثاني عشر من شهر جمادى الأولى عام 1383هـ، رحل إلى جوار ربه العلامةُ الفقيهُ المؤرخُ الشيخ محمد بن علي بن عوض بن سعيد بن زاكن باحنان الأشعثي الكِندي، عن عمرٍ ناهز الحاديةَ والسبعين، قضاها في خدمة العلم والدين، ونشر الفضيلة واليقين.
رحم الله شيخنا الجليل، وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.
*مولده ونشأته*
وُلد الشيخُ في مدينة تريم سنة (1312هـ)، وإن كان موطنه الأصلي عينات، إذ كان حين مولده في كفالة عمه، الذي اعتاد التردد إلى تريم لطلب العلم وزيارة الصالحين والعلماء بها.
وقد نشأ بين أبوين صالحين، في بيتٍ تُظِلّه التقوى وتُعطّره أنفاس الورع والإيمان.
*وفاة والده وتكفُّل والدته بتربيته*
لم يكد يبلغ الثانيةَ عشرة من عمره حتى توفي والده، وكان رجلاً صالحًا ناسكًا، ملازمًا للطاعات، مُجافيًا للمحظورات، زاهدًا في الدنيا، راغبًا فيما عند الله.
فنهضت والدته الصالحة بتربيته، وأحسنت غرس الفضيلة في نفسه، فأدخلته مدرسة الشيخ الحسين بعينات، وكانت آنذاك شبيهةً بالكُتّاب، يتعلّم فيها الصبيان القراءة والكتابة.
قرأ على الشيخ عبد الرحيم بن سالم باحمود التريمي القرآن الكريم، وكانت والدته في أثناء ذلك تُغدِق عليه من رعايتها وتشجيعها ما يُذكي في نفسه الأمل، ويهوِّن عليه مشقّة السعي والتحصيل.
وقد كانت تحشد له في بيتها أقرانه وزملاءه، فيتدارسون العلم ليلًا ونهارًا، حتى خُيِّل للناس أن البيت رباطٌ أو خانقاه، لكثرة الغادين والرائحين وعلوّ أصوات المتعلمين فيه.
*تلقيه العلم عن شيخه الأول الحسن بن إسماعيل*
بذلت أمّه رحمها الله غايةَ الجهد في توجيهه إلى الدروس العلمية، بعد بروز الشيخ العلامة الحسن بن إسماعيل الحامدي بن الشيخ أبي بكر بن سالم.
فأدرجته في سلك طلابه، فعنى به شيخه عنايةً فائقة، ووجّهه خير توجيه، وأوصاه بالجدّ والمثابرة، نثرًا ونظمًا.
وقد حفظ عليه كثيرًا من المتون، وقرأ عليه جملةً من الكتب المطوّلة والمختصرة في فنونٍ شتّى: من فقهٍ وتفسيرٍ وحديثٍ وأصولٍ وتصوفٍ وأدبٍ ونحوٍ.
فبرز على أقرانه، ونال قصب السبق في العلم، حتى بشّره شيخه بمستقبلٍ زاهرٍ وألمعيةٍ نادرة، وتبادلا قصائدَ في الثناء والمودة.
*رحلته إلى تريم وطلبه العلم على كبار علمائها*
وحين بلغ سنَّ المراهقة، ارتحل إلى مدينة تريم، والتحق برباطها المبارك، ونهل من معين علمائها الكبار، ومنهم:
السيد العلامة الإمام عبد الله بن عمر الشاطري، والسيد العارف بالله عبد الباري بن شيخ العيدروس،والسيد المفتي الأديب علوي بن أبي بكر خرد، وغيرهم من أعلام تريم.
*تلقيه عن الإمام أحمد العطاس*
وفي آخر شهر صفر سنة (1334هـ) قدم إلى عينات الإمام العارف بالله السيد أحمد بن حسن العطاس، فطلب من شيخه الحسن بن إسماعيل أن يأذن له بمرافقة الشيخ محمد إلى دوعن وحريضة ليتلقى عنه.
فأذن له بعد استئذان والدته، فصحبه في رحلته متنقلًا بين المشهد ودوعن وحريضة، حتى وفاة الإمام العطاس في رجب من العام نفسه.
وقد كانت صحبته القصيرة له من أعظم الأسباب التي فتحت أمامه آفاق المعرفة، ووسّعت مداركه، وأجازه الإمام إجازةً عامةً وخاصة في جميع ما تلقّاه عن مشايخه.
*اشتغاله بالتدريس ونشر العلم*
بعد أن أُسست جمعية الحق وجمعية الفضائل مدارسَ في تريم، فُتحت مدرسةٌ بعينات، فاختير الشيخ محمد باحنان للتدريس فيها نحو سنة (1336هـ).
وقد أسهم إسهامًا عظيمًا في النهضة العلمية التي شهدتها عينات، فتخرّج على يده المئات من أبنائها حتى سنة (1360هـ)، حيث هاجر إلى نِسره بدوعن وأسس بها مدرسة، ثم انتقل إلى صَيْف وأقام فيها مدرسة الفلاح.
وخلال تلك السنين المباركة، انقطع للعلم والتعليم والدعوة إلى الله، فأنشأ أجيالًا من العلماء والفقهاء والمربين.
*مؤلفاته*
ترك الشيخ باحنان تراثًا علميًا زاخرًا، حافلًا في شتى ميادين المعرفة:
*في الفقه*
التعريف بطرائف المختصر اللطيف ، اللؤلؤة الثمينة في نظم سفينة النجاة ، المدد الفائض في علم الفرائض ، طُرفة الإسعاف في بيان شُقّة الاجتهاد والخلاف
*في علوم الشريعة واللغة*
العقد الثمين في سيرة سيد المرسلين وشرحه القول المبين ، القول الصحيح الأرجح في ، بعض مسائل العقيدة ،التذكرة والادِّكار لأهل التبصرة والاعتبار
، رسالة في حياة المرأة المسلمة
، رسالة في علم التجويد ، قرة الطرف في تعليم قواعد التهجي ورسم الحرف ، تقويم اللسان في علمي النحو والصرف.
*في الأدب والشعر*
الروض المؤنق، ويضم: منظومة في قاعدة التهجي، تخميس قوافي الحكيم الترمذي في الوعظ برمضان، تنميق الأسفار بما وقع من الأشعار، العقد الثمين في سيرة وأخبار الرسول الأمين.
*في التاريخ والتراجم وأدب الرحلات*
تاريخ الأحقاف (القول الشاف في تاريخ الأحقاف) في تسعة أجزاء، ومقدمته الإتحاف, جواهر تاريخ الأحقاف (منتخب من القول الشاف) ،الأصداف اختصار لتاريخ الأحقاف ،الوجيز في تاريخ الأحقاف السياسي، الفرج بعد الشدة في ثبات فروع كِندة ،الجواهر المعدّة في فروع كندة ،الدرر النفائس في مشاهير كندة وآل فارس ، قرة العين في تاريخ الهجرين ، مشجرة أصول مشاهير ملوك كندة في الجاهلية والإسلام ،الصحابي الجليل الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه ، ذخيرة الأكياس في مناقب شيخه أحمد العطاس.
الشرف الأصيل في مناقب ، شيخه الحسن بن إسماعيل ، منح المنّان على عبده المفتقر إلى الغفران (ثبت في شيوخ المؤلف) ، بشرى المنقبين عن مجد العموديين، منهل العرفان في تراجم مشاهير بني حنان ، العقود الحسان في شجرة فروع بني حنان.
*في أدب الرحلات*
الرحلة المكية الأولى سنة 1368هـ، والثانية سنة 1382هـ ،الرحلة إلى نِسره ، رحلة السادة البكرية إلى المناطق الحضرمية.
*كما خلّف رحمه الله تعالى خطبًا منبرية، ومناظراتٍ علمية، وحِكمًا جامعة، ورسائلَ أدبية واجتماعية متبادلة بينه وبين مشايخه وأصدقائه، شعرًا ونثرًا، تُغني الباحثين وتُجلي محاسن عصره.
*وفاته*
توفي الشيخ العلامة المؤرخ محمد بن علي بن زاكن باحنان يوم الإثنين، الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1383هـ، ودُفن في بلدة صَيْف بدوعن، وله من الأبناء ثلاثة: بنتان وولدٌ واحد هو الشيخ العلامة القاضي علي بن محمد بن زاكن باحنان.
رحمهم الله جميعًا، وجعل قبورهم روضةً من رياض الجنة، ونفع بعلمهم وذكراهم إلى يوم الدين.







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق