بقلم ناصر بامندود "طفل الخور الباكي" - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

السبت، 27 فبراير 2021

بقلم ناصر بامندود "طفل الخور الباكي"

" لقصة واقعية حدثت معي " 

ذات ليلة .. وبينما أنا أمشي بين إحدى جنبات " الخور " عائدًا إلى المنزل بعد أن كُنت رفقة صديقي.

إذ بي ألمح طفلًا يبكي، أقتربت منه أكثر فوجدته يذرف الدموع بحرقه حتى أحمرت عيناه، ووصلت دمعاته أسفل وجهه! 

أوجعتني هيئته هذه كثيرًا، وجعلتني أشفق عليه حتى قبل أن أعرف ما خطبه ، فوجهه يحكي ألمًا كبيراً ، ووجعًا شق على نفسه، كان كل همي أن أعرف ما به علني أجد حلًا يوقف نزيف عينيه.

وعرفت من قسمات وجهه بأنه من " نازحي حرض " ، فسألته لماذا تبكي؟ ما بك لا عليك اخبرني ، إجابني سريعًا بصوتٍ باكي : « أضعت الألف ريال الذي أعطني إياه أحد المارين ، وأبي شاهده وهو يعطيني ، وريثما ما أعود إلى البيت سيقول لي أعطني الألف وكل ما جمعت الليلة، فأبي قاسي، لن يرحمنيَ ، ولن يعذرنيَ ، ولن يسامحنيَ، سيظل يضربني حتى يصب عليّ جام غضبه، وأنا أبحث عن الألف منذ نصف ساعة ، ولم أجده لذلك أنا خائف جداً من عودتي إلى البيت ».

قلت له : « هون على نفسك ، وامسح دمع عيونك ، أنت رجل لا تبكِ سنجد حلًا إن شاء الله »، وسألته هل بحثت عنه جيدًا، وهل أباك قريب من هنا لأذهب فأكلمه؟ أجابني نعم ، بحثت عنه جيداً ولم أجده ، وأبي بعيد من مكاننا هذا . لحظتها كم تمنيت أن يكون هذا الألف متوفرًا لدي حاليًا! فحينها لم أكن أمتلك في جيبي إلا ربع هذا المبلغ! وماذا عساني أن أفعل له؟ فمنظره يحطم قساوة تلك القلوب الفظه والغليظة .

رحت أبحث معه عن الألف علني أعثر عليه، فأنقذ الطفل من هذا الموقف الصعب، وارحمه من قساوة ذلك الأب الجشع، ومشيت أبحث والطفل ينظر إليّ وعيناه تخبرن وتقولن : " ليته يجده ، ليته ينقذني من ورطتي، ليته يسعد قلبي ويزيح همي ويصرخ وجدت الألف ". وبعد دقائق من البحث وعندما لم أعثر عليه أدركت أنه لا جدوى من ذلك ، سألت الطفل هل لك من أقارب يعرفون أباك ليكلمه أحدهم فيغفر لك ، رد نعم لكن ليسوا بالقرب من هنا ، سألته أين هم إجابني في فوة ، قلت في نفسي : تباً لهذه الليلة ياله من حظ! 
ثم نظرت إلى الساعة فوجدتها متأخرة، وأصبح لابد من عودة هذا الطفل إلى منزله ، وفكرت هل أذهب معه إلى والده فأستعطفه كي يصفح عنه ، ولكن خطر في ذهني ربما هذا قد يزيد الأمر سوءًا بالنسبة للطفل ، ويغضب عليه الأب أكثر! وما كان مني إلا إن لا أتركه يظل في الشارع ، فإن خطورة الجلوس في الشارع في هذا الوقت المتأخر - وفي عمره الصغير أشد خطورةً من عقوبة الأب- وإن كان الخطر في الاثنان! 

فصرت أقنعه بالعودة إلى المنزل، وقلبي يتألم لفعلي هذا، ولكن ما كان لدي من حلٍ سواه ، ولربما قد يحكي هذا الطفل قصته لأحد أولئك الذينَ تتلطخ قلوبهم بالقذرة ، فيقوم هذا النجس بعرض إعطاءه الألف مقابل مبتغاه القذر، وواصلت إقناعه حتى وصلت كلماتي إلى عقله فوافق على الرجوع إلى بيته ، ثم دعوت له بأن يقيه الله شر ذلك الأب الجشع ، ومضينا ليذهب كلًا منا إلى طريقه.

عدتُ إلى البيت وأنا أفكر في الطفل هل عاد إلى البيت؟ وماذا صنع معه أباه؟ وكيف تعامل معه عندما أخبره؟ وأتخيل الأب وهو يضربه ويعنفه ليلتها عكر مزاجي، وشتت فكري، وجافى النوم عيني، فأنتظرت اليوم التالي لأعاود نفس المكان الذي وجدته فيه ليلة أمس ، كي يطمئن قلبي عليه هل هو بخير ؟ ماذا صنع معه أبوه ؟ وهل عاد إلى البيت من الأساس! 
لكنني لم أجده سرت بالقرب من المكان علني ألمحه، وعله يناديني، لكنني لم أجدهَ، ولم يجدنيَ.

فأصبحت أسأل نفسي - وأنا أمشي عادًا بخفي حنين- الأسئلة المتراكمة في عقلي مذ رأيته يتقطع بكاءً ، ما هو دورنا مع الأطفال النازحيين؟ وهل نتركهم للتسول هكذا ؟ أين حقوقهم في التعليم مثل أقرانهم؟ وأين الدور الحقيقي للسلطات والمنظمات في حمايتهم وتعليمهم؟ هؤلاء الصغار ما هم إلا ضحايا من دفع بهم للتسول، وليس لهم من ذنب سوى ما حدث للبلاد! 

ثم سألت نفسي ذلك الأب الغليظ ألم يصل إليه ، وإن وصل إليه ألم يتأمل قول محمد ﷺ : « لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه »، ألم يعلم أن النبي ﷺ أقسم على ثلاث أحدهن : « لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر »
بدلًا له من أن يتاجر هذا الغليظ الطمع ، بتسول أطفاله الصغار المساكين! 
فمال التسول مهما كثر فهو لا يأتي إلا بالفقر بتأكيد الصادق المصدوق صلوات ربي وسلمه عليه، وأصبحت أتساءل كثيرًا ما هي حكاية المتسولين بشكلٍ عام فقد كثر الحديث عنهم، من وراءهم؟ أم أنهم أتوا بطريقة عفوية؟! من أجل المال فقط؟ أو سدا ًللحاجة لا أكثر، لكن كم يجنون حتى يسكنوا الفنادق؟! هل هم ضحايا النزاعات ، وضحايا الفقر وفقد الأوطان وخراب القرى؟ أم إنه ثمّة من يحركهم؟ وورائهم ما ورائهم أو هي طريقة سريعة لكسب المال، أم انهم لم يجدوا بديلاًا آخر غير هذا العمل، وهم عزز قوماً ذلوا!

ناصر بامندود

" الصورة للتعبير"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق