التغيرات المناخية وأثرها على الحالة السيكولوجية للإنسان - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الأحد، 29 أكتوبر 2023

التغيرات المناخية وأثرها على الحالة السيكولوجية للإنسان

عندما يفكر الناس في تغير المناخ، فربما يفكرون أولاً في تأثيراته على البيئة، وربما على صحتهم البدنية. لكن تغير المناخ يؤثر أيضًا بشكل كبير على الصحة العقلية، وفقًا لدراسة جديدة أصدرتها جمعية علم النفس الأمريكية ومنظمة إيكو أمريكا.

يُعد التغير المناخي "Climate Change" واحدًا من أبرز التحديات التي تواجه إنسان القرن الحادي والعشرين. فالمناخ مكون جوهري وأساسي للأنظمة الداعمة للحياة على سطح الكرة الأرضية، وقد كيّف الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض ظروف مسكنه وطراز ملبسه ونوعية طعامه للتعايش مع الأحوال المناخية السائدة، إلاّ ان التغيرات المناخية الهامة خلال الفترتين الجليديتين الأخيرتين من عصر البلايوستوسين وما رافق هذا التغير من تدمير هائل للأنواع الحياتية وانقراض معظمها ووضع الجنس البشري في تحدٍ هام مع الطبيعة، ومع بداية الثورة الصناعية بدأ الإنتاج الزراعي والصناعي بالتزايد، والذي اقترن بزيادة استخدام الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم الحجري) ومن ثم ازدياد انبعاث الغازات الحابسة للحرارة التي ساهمت في رفع درجة حرارة الأرض معلنة بداية الخطر الذي يهدد حياة الإنسان والكائنات الحية الأخرى من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض، وميل المناخ نحو التغير. وتشير البيانات بأن الانسان هو المسؤول الأول عن هكذا تغيّرات مناخية، (وفق تقديرات البعض و وفق الملاحظات العلمية، ارتفعت درجة حرارة الكرة الأرضية عموماً بنحو نصف درجة مئوية بفضل انبعاثات غازية بشرية المنشأ .(anthropogenic emissions)  وكما تشير التقديرات إلى أنه بحلول العام 2100، ستزيد درجة حرارة الكرة الأرضية بما يقارب (2.4 – 5.8) درجة مئوية.  لا ريب بأنّ مثل هذه التغييرات التدريجية ستؤدي إلى عدة تغيرات جغرافية (ذوبان الجليد القطبي، وبعض الكوارث البيئية)، ما سيؤدي بدوره إلى التأثير على الصحة العامة للإنسان، ولا تُستثنى من ذلك الصحة النفسية (وأعني بالصحة عموماً هنا حالة من اكتمال السلامة بدنياً، عقلياً واجتماعياً).

فالتغيرات المناخية تعد من أهم التحديات التي يواجها العالم في الوقت الحالي، فهي لا تقتصر تأثيراتها على البيئة المحيطة بنا، بل تؤثر على الصحة النفسية للأفراد بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما سنتطرق اليه في السطور التالية .

 تؤثر التغيرات في المناخ على الزراعة والبنية التحتية وقابلية العيش، مما يؤثر بدوره على المهن ونوعية الحياة ويمكن أن يجبر الناس على الهجرة.

 قد تؤدي هذه التأثيرات إلى فقدان الهوية الشخصية والمهنية، وفقدان هياكل الدعم الاجتماعي، وفقدان الشعور بالسيطرة والاستقلالية، وتأثيرات أخرى على الصحة العقلية مثل الشعور بالعجز والخوف وعدم القدرة. وترتبط المستويات المرتفعة من التوتر والقلق أيضًا بتأثيرات الصحة البدنية، مثل ضعف جهاز المناعة.

 يمكن أن يؤدي القلق بشأن التأثيرات الفعلية أو المحتملة لتغير المناخ إلى التوتر الذي يمكن أن يتراكم بمرور الوقت ويؤدي في النهاية إلى مشاكل مرتبطة، مثل تعاطي المخدرات واضطرابات القلق والاكتئاب، وفقًا لبعض الدراسات.

تداعيات التغيرات المناخية (climate change) على الصحة النفسية للأفراد 

تعرّف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنها "حالة من حالات التمتع بالعافية يحقق فيها كل فرد إمكاناته الخاصة، ويمكنه فيها التغلب على ضغوط الحياة، والعمل بشكل منتج ومثمر، ويكون فيها قادراً على أن يقدم إسهاماً في مجتمعه". 

 فالصحة النفسية تتأثر بالتغيرات المناخية، إذ تشير بعض الدراسات إلى أن عديداً من الكوارث البيئية المرتبطة بالتغيرات المناخية تساهم في تفاقم بعض الحالات النفسية والعقلية.  

وتشمل هذه الكوارث البيئية: الفيضانات، الأعاصير العاتية، حرائق الغابات وسواها.  

من المعلوم بين الباحثين أن الأفراد الذين تعرضوا لكوارث مشابهة هم أكثر عرضة لتداعيات نفسية جدية لاحقاً، من قبيل اضطراب ما بعد الصدمة (Posttraumatic stress disorder)  

وايضا  يمتد تأثير مثل هذه الكوارث البيئية ليشمل اضطرابات نفسية أخرى من قبيل اضطراب التوتر والقلق العام، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى تطوير أنواع من الذهان العقلي.

 ونظراً لأن العديد من الأفراد في مثل هذه الظروف البيئية الكوارثية يفقدون بيوتهم، أقاربهم وأغلب ممتلكاتهم، فمن المرجّح أن يُعانوا أيضاً من الاكتئاب بأنواعه، بالإضافة إلى مجموعة من الاضطرابات والاعتلالات النفسية المصاحبة لها.

 وبالإضافة إلى ذلك هناك عدداً من الآثار النفسية الرئيسية تحدث نتيجة التغيرات المناخية.

تتمثل تأثيرات عواقب تغير المناخ على الصحة العقلية في أعراض التوتر والضيق، القلق واضطرابات النوم والاكتئاب، وإجهاد ما بعد الصدمة، والتفكير في الانتحار. وقد تشمل العواقب الأخرى التأثير على الأفراد والمجتمعات في حياتهم اليومية وتصوراتهم وتجاربهم، حيث يتعين عليهم التعامل مع تغير المناخ وفهمه والاستجابة له بشكل مناسب. كما يؤثر التغير المناخي على المجتمعات من الناحية الاقتصادية، وخاصة المجتمعات الزراعية، التي يعتمد أهلها في دخلهم على الزراعة، إذ انه قد تتعرض الأراضي الزراعية للجفاف أو طوفان المياه بسبب ارتفاع منسوب البحر او الفيضانات، علاوة على ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة تجعل العمل الزراعي اقل انتاجية بسبب إرهاق العمال، مما يولد ضغوط اقتصادية ونفسية تؤدي الى زيادة مشاكل الصحة العقلية. كما أثبتت الدراسات أن درجات الحرارة المرتفعة (وأيضًا درجات الحرارة شديدة الانخفاض)، وما يصحبها من تغير في جودة الهواء، من شأنهما التأثير سلبًا على الصحة النفسية للأفراد، وبالتالي التأثير على جميع جوانب حياتهم، سواء على المستوى الشخصي والاجتماعي، أو في بيئة العمل. 

كما أثبتت عدة دراسات أن درجات الحرارة شديدة الارتفاع من شأنها تحفيز السلوك العدائي، وربما زيادة معدلات العنف بين الأفراد، سواءً على المستوى القصير أو على المدى الطويل.

كما بينت اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن التغير المناخي يعمل في زيادة حدة المشكلات الصحية والنفسية للأفراد، فالمناخ الحار المتغير يؤدي الى مستويات مرتفعة من ملوثات الهواء وزيادة تكرار الحوادث المرتبطة بالطقس المتطرف. كما يزيد ذلك من معدلات ونطاقات نقل الأمراض المعدية من خلال  الماء غير النظيف والطعام الملوث وبالتأثير في الكائنات الناقلة والمضيفة كالماشية والخفافيش. 

كما يمكن للمناخ أن يوفر أجواء ملائمة لانتشار ناقلات الأمراض كالحشرات، إذ يلاحظ نشاط وازدياد أمراض في مواسم معينة من السنة وضعفها او قلتها في مواسم أخرى.

 يجب زيادة الوعي والتثقيف حول تغير المناخ وآثاره النفسية المحتملة. وينبغي توفير المعلومات والتعليم للأفراد لمساعدتهم على فهم التحديات والتعامل معها بشكل صحيح، كأحد الحلول المقترحة للحد من التغيرات المناخية والحفاظ على سلامة الصحة النفسية، كما يجب تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد المتأثرين بتغير المناخ.

 ويمكن تقديم الاستشارة والدعم النفسي للأفراد الذين يعانون من القلق والاكتئاب والضغوط النفسية نتيجة لهذه التحديات.

 وللحفاظ على سلامة الصحة النفسية في ظل التغيرات المناخية، يجب ممارسة  الرياضة البدنية والعقلية، والاهتمام بالأغذية الصحية، وأخذ بعين الاعتبارات ارشادات منظمات الصحة في كل ما يخص الفرد وصحته البدنية والنفسية. 

                                                   نعيمة عبدالرحمن العمودي
مركز بايوزون للبحوث والدراسات وحماية البيئة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق