بقلم / أنس علي باحنان .. المعلم أولى بالإنصاف من بطون الخارج المنتفخة - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

السبت، 30 أغسطس 2025

بقلم / أنس علي باحنان .. المعلم أولى بالإنصاف من بطون الخارج المنتفخة

إنّ لقاء رئيس الوزراء بالقيادات التربوية والتعليمية مؤخرًا كان – وللأسف – مخيّبًا للآمال، فخطابه لم يكن سوى دباجة طويلة مترهّلة مللنا سماعها، كلام لا يُسمن ولا يُغني من جوع، ولا يُعيد للمعلم بعضًا من كرامته المهدورة، ولا يسد رمق رجل أفنى عمره في خدمة الأجيال، فانحنى ظهره، ووهَن سمعه وبصره، وغزا الشيب شعره، وهو لا يزال يرفع صوته مطالبًا بحقوقه وحياة كريمة تليق بما تبقّى من عمره الشريف.

*دعونا نختصر المسألة: ما الذي يريده المعلم؟*

يريد حقوقه المقرّة في القوانين واللوائح منذ سنوات، حقوق العلاوات والتسويات التي جُمّدت بلا مبرر، وصوته بُحّ وهو يصرخ دون مجيب. يريد راتبًا يليق بجهده ومكانته، لا مرتبًا ضئيلًا لا يفي حتى بعُشر متطلباته الأساسية. وإن تحسن سعر الريال اليمني، فإن وضعه لم يتحسن، بل ظلّ المعلم وحده على شفا جرفٍ من مجاعةٍ له ولأسرته، لولا لطف الله وعنايته.
المعلم، بخلاف سائر القطاعات، لا يملك تجارة ولا عملاً جانبيًا، إنما يعيش على راتبه الهزيل وحده.

إنّ على رئيس الوزراء أن يراجع موقفه تجاه المعلم، فما أطلقه من وعود واهية كقوله: "سنبحث عن حلول، والوضع الاقتصادي صعب، وعلى المعلم أن يصبر ويضحي..."، ليس إلا كلامًا مردودًا ومرفوضًا، لا سند له قانوني ولا أخلاقي. فأين كانت الحكومة طَوال هذه السنين من إنصاف المعلم؟ أكانت آذانًا من طين وأخرى من عجين؟

أما حديث "الوضع الاقتصادي الصعب"، فلم يُطبّق إلا على حقوق المعلم وحده! وإلا فكيف تمكّنت الحكومة في الشهر الماضي من صرف ملايين الدولارات لإعاشة طابور طويل من العاطلين في الخارج؟! أليس الأجدر أن تُوجّه تلك الأموال لأبناء الوطن في ميادين الشرف، وفي مقدمتهم معلم الأجيال؟
او كما يقول المثل الحضرمي عندنا: "بدر ما يقدر الا في عمّته"، وهكذا صارت الإصلاحات انتقائية مزاجية لا تُقيم عدلًا ولا تُبطل باطلاً.

إنّ مطالبة رئيس الوزراء للمعلم أن يواصل التدريس وهو جائع، بينما تُنفق الملايين على أصحاب البطون المنتفخة في الخارج، هي بحق قسمة ضيزى وظلمٌ بيّن.

أيها الرئيس، إن كنتم جادين في إصلاح البلاد، فابدؤوا بإنصاف المعلم. اعترفوا بتقصيركم، وقدّموا اعتذارًا صادقًا، وأعلنوا التزامًا واضحًا: صرف الحقوق كاملة خلال شهر واحد، مع انتظام الرواتب بداية كل شهر. فإن تحقق ذلك كان خيرًا، والا الاضراب حينها حق لا مفرّ منه.
ولْيعلم الجميع أنّ كشوفات العلاوات والتسويات جاهزة منذ زمن، لا تحتاج إلا لتوقيع صادق وعزم مخلص، يشعر بآلام المعلم ومعاناته.

حقوق المعلم ليست منّة من أحد، وليست معضلة مستحيلة؛ فموارد البلاد وثرواتها، ودعم الأشقاء والأصدقاء، والصناديق المخصصة للتعليم، كفيلة بتغطية تلك الحقوق وزيادة. وإن لم يُوجَد المال، فليُسعَ إليه، إذ لا قيمة لثروةٍ ولا لسلطةٍ إن كان المعلم مهانًا وحقوقه مهدورة.
المعلم وحقوقه فوق كل شيء، ومقدَّم على كل اعتبار.

وفي الختام، أوجّه خطابي لما يُسمى في وادي حضرموت "نقابة أنا معلم":
لقد ملّ الناس من إعلان الإضرابات ثم رفعها دون جدوى. إن كان هذا الإضراب الأخير سيُرفع بعد أسابيع أو أشهر بلا نتيجة، فالأجدر أن يُرفع من الآن، فلا تزيدوا على ظلم الحكومة ظلمًا لأبنائنا وفلذات أكبادنا. إنّ تضييع مستقبل الطلاب عبثٌ لا يليق، وخيانة للأمانة.
وستُسألون أمام عدالة السماء قبل عدالة الأرض. فلا تُشاركوا في الضحك على الذقون، ولا تُضاعفوا مأساة الناس.

اللهم اجعل لهذا الوطن وأهله فرجًا ومخرجًا، وأجِر معلميه وطلابه من ظلم العباد، وأرنا فجر عدلٍ قريب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق