في جغرافيا الصراع ومناخات الانكسار، تبقى الضالع الاستثناء الثابت في معادلة الوطن المتعبة، تلك المحافظة التي لا تعرف التراجع، ولا تساوم على مبدأ، ولا تنحني إلا لواجبها الوطني المقدس.
الضالع ليست رقعة جغرافية فحسب، بل مدرسة ثورية، تصنع الزخم حين يصمت الجميع، وتوقد شعلة العزيمة حين يخفت الضوء في دروب الوطن.
فعلى حدود النار، حيث المعارك لا تهدأ، يقف أبناؤها صفًا واحدًا يذودون عن الكرامة، بينما في الداخل يواجهون ضيق المعيشة وقسوة الواقع، ويُضاف إلى ذلك هجوم إعلامي مسموم يستهدف عزيمتهم ويشكك في صلابتهم، بين عدوٍّ يتمنى أن تمحى الضالع من الخارطة، و"صديق" يسكب على رجالها كل لعنات المعاناة والتقصير.
لكنها — وكعادتها — لا تعرف الانكسار؛ فهي تزرع الأمل من رماد الألم، وتخلق من الصعاب منابر للنصر.
الضالع، هذا الاسم الذي تحمله الرياح إلى كل الجنوب، هو رمزٌ للتحدي وذاكرة الثورة الحية. كل رصاصة تُطلق هناك، وكل شهيد يُزف على ثراها، وكل امرأة تُمسك بيد ابنها نحو الجبهة، إنما تسطر فصلًا جديدًا من حكاية الصمود التي لا تنتهي.
من بين الحصار والجراح والجراحات، تخرج الضالع كأنها قلب الأمة النابض، تضخ في العروق روح العزيمة، وتقول للمتعبين: "ما زال فينا ما يُقاتل، وما زال فينا ما يُؤمن بالنصر."
ولأنها الضالع، فقد اعتادت أن تكون شرارة الوعي الوطني ووقود الثورة الجنوبية، تحمل على كتفيها عبء القضية، وتتحمل سهام القريب والبعيد، لكنها تمضي، كما مضت دائمًا، على نهجها الأصيل: لا مساومة على الحرية، ولا تراجع عن الكرامة، ولا انحناء إلا لله.
إنها الضالع التي تعلّمنا منها أن الثورة ليست صراخًا في الميادين، بل صبرًا في وجه الجراح، وإيمانًا لا يتزحزح بعدالة القضية، وأن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع من بين أنياب الألم.
من ترابها خرجت عناوين الكبرياء الجنوبي، ومن صبر رجالها تُكتب اليوم فصول المستقبل.
وستبقى الضالع، كما كانت، أيقونة الثورة، ومنارة الإصرار، وجدار الأمل الأخير في زمنٍ يختبر فيه التاريخ معدن الرجال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق