لا يسقط وطنٌ اليوم بسقوط مدينة أو لواء عسكري، فالهزيمة الحقيقية تبدأ دائماً من لحظة أعمق وأخطر… من لحظة سقوط القرار وخروج السيادة من يد أصحابها. وما نراه اليوم في سيئون والمنطقة العسكرية الأولى ليس إلا الخاتمة الطبيعية لمسار طويل بدأ منذ اللحظة التي تخلّى فيها التحالف عن واجب الدعم وتحول إلى طرف يعبث بقرار الدولة ويعيد تشكيل بنيتها من الخارج.
سقطت الدولة يوم بدأ التدخل يتجاوز حدود الدعم العسكري والسياسي المشروع، ويتحول إلى وصاية، ثم إلى إدارة موازية. يومها ظهرت تشكيلات وكيانات عسكرية وأمنية تُدار خارج مؤسسات الدولة، وتُبنى بمالٍ خارجي، ويتكوّن ولاؤها لمن يمولها لا لمن يفترض أنها تحميه. منذ تلك اللحظة صار الجيش الرسمي مهمشاً، والمؤسسات السيادية مُعطلة، والقرار الوطني مرهوناً بغرف عمليات لا تحمل صفة اليمن ولا صوت اليمن.
وسقطت الدولة أكثر حين مُنع رئيسها من النزول إلى عاصمته المؤقتة، وحين أُضعفت حكومة بن دغر، وحين تُرك نائب رئيس الحكومة وزير الداخلية السابق أحمد الميسري يقاتل وحده مليشيات مسلحة مدعومة، تُهاجم الشرعية وهي تزعم الدفاع عنها. سقطت الدولة عندما صار السلاح فوق القانون، وعندما أصبحت الكيانات الموازية شريكاً مفروضاً، لا صوت لها إلا صوت الخارج، ولا دور لها إلا تعطيل الدولة وتقييد مؤسساتها وتحويل البلد إلى ميدان صراع مفتوح.
ثم توالت الضربات… حين فُرضت قوى سياسية ليست إلا أدوات متقدمة لأجندات خارجية، تُنهك الدولة بدل أن تقوّيها، وتزرع الانقسام بدل أن تعالج الجرح. وحين تحولت اليمن إلى مختبر تجارب إقليمية، دفع ثمنه المواطن الذي طحنه الجوع، وسحقه القهر، وهزمته الحاجة، بينما كان يظن أن أشقاءه العرب سندٌ له… فإذا بهم يتعاملون معه بمنطق “أخوة يوسف”؛ يبتسمون في وجهه، ويطعنون ظهره.
وفي ظل هذا الانهيار، لا يجوز أن نحمّل أبناء حضرموت ولا الجنود المنطقة الأولى في المتارس مسؤولية هذا السقوط. هؤلاء تُركوا بلا غطاء سياسي، بلا توجيهات، بلا إمداد، بلا مرتبات، وبلا أدنى مقومات البقاء. أي جيش يمكنه أن يصمد وهو مجرد من كل شيء إلا شرفه الشخصي؟ أي جندي يُلام وهو يقاتل في زمن بات فيه القرار بيد الخارج لا بيد قيادته؟
اللوم الحقيقي يذهب إلى من تولّى القيادة ثم فوّت اللحظة، إلى وزارة الدفاع ومجلس القيادة الرئاسي، وإلى الدول التي تعهدت بالحفاظ على اليمن فإذا بها تمزقه أكثر، وتدفعه نحو صراعات لا تنتهي، وتُبعده كل يوم خطوة إضافية عن الهدف الحقيقي: تحرير صنعاء… الهدف الذي أجمع عليه الشرفاء، والذي لو وُضع في مقدمة الأولويات لما سقطت سيئون ولا قبلها ولا بعدها.
اليوم نحن لا نرثي مدينة، ولا منطقة عسكرية، بل نرثي دولة نُزعت سيادتها تدريجياً. نرثي قراراً لم يعد في يد صاحبه. نرثي جيلاً شاهد وطنه يُدار من الخارج، ويُساق إلى الانهيار باسم الإنقاذ.
ومع ذلك…
يبقى الأمل موجوداً في قلوب من يدركون أن الدولة لا تُبنى بالسلاح الممنوح، ولا بالتحالفات المتقلبة، بل تُبنى بقرار وطني مستقل… وبإصرار شعبٍ لم يعد لديه ما يخسره.







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق