بقلم / سالم عوض الربيزي .. شايبٌ على الأرض، دولةٌ تهوي معه - صدى حضرموت | الإخبارية

أخر الأخبار

ترجمة - Translate

   

الجمعة، 5 ديسمبر 2025

بقلم / سالم عوض الربيزي .. شايبٌ على الأرض، دولةٌ تهوي معه


.com/img/a/

لم يكن سقوط هذا الشايب الكبير في السن مجرد حادثة عابرة، بل كان سقوط تاريخ كامل، وجسد الوطن كله في لحظة واحدة. رجل قضى عمره متنقلاً بين الجبهات، واقفاً على خطوط النار، يحمل بندقيته كما يحمل وطنه في قلبه، يردد نشيده العسكري كأنه قسم مقدس: "لن ترى الدنيا على أرضي وصياً". هذا الرجل لم يسقط لأنه ضعيف، بل لأنه وجد نفسه وحيداً أمام واقع قاسٍ، واقع دولة فقدت قرارها وسيادتها، واقع وطن أصبح فيه الوصي معروفاً من الخارج، لكنه خُذل من الداخل، من مجلس القيادة الرئاسي الذي كان من المفترض أن يكون سنداً له، لكنه بدل أن يحميه تركه عرضة للإهانة، بلا دعم، بلا توجيه، بلا حماية، كما لو أن حياته كانت مجرد رقم في معادلة صعبة الحساب.

حين طرحوه على الأرض، لم يسقط الشايب وحده، بل سقطت معه كرامة المؤسسة العسكرية، وسقطت كل الرموز التي بنى عليها الوطن ثقته. لم يكن يحاول الدفاع عن نفسه، بل كان يحاول أن يحافظ على ما تبقى من هيبته، على زيه العسكري الذي يمثل عمره كله، على سنوات من الولاء الذي لم يجد له صدى عند من تولوا القيادة. 

صرخته المخنوقة "اسعفوني… أو كملوا علي… اقتلوني بس!" لم تكن صرخة رجل يريد الموت، بل صرخة من فهم أن وطنه قد خانه من يفترض أن يقفوا بجانبه، وأن الخيانة الداخلية أعظم من كل تدخل خارجي، وأن القرار الوطني لم يعد بيد اليمنيين بل بيد من يسوقون الدولة كأداة لمصالحهم.

هذا الشايب لم يكن يبكي نفسه، بل يبكي وطناً فقد حمايته، يبكي جيشاً أصبح أداة، ويقف على جبهة بلا دعم، وقيادة بلا قلب، ومؤسسات بلا مصداقية. صورة واحدة، شايب واحد، كفيلة بأن تقول كل شيء: السقوط الحقيقي ليس سقوط المدن أو المراتب العسكرية، بل سقوط الوفاء والقرار والسيادة. لقد سقط الشايب، لكنه أرخى الستار على حقيقة مؤلمة، وهي أن الدولة قد سقطت منذ زمن، وأن الخذلان الداخلي أسوأ من أي هزيمة على أرض المعركة. وبين الألم والوجع، يبقى هذا الشايب رمزاً لكل من حمل اليمن على ظهره، لكل جندي دافع عن شرف وطنه، ولكل مواطن صدق يوماً أن الكرامة ليست للبيع، وأن السيادة ليست مجرد اسم في ورقة، بل روح يُحيا الوطن بها ويُحمى.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق