ليست المملكة العربية السعودية يومًا خصمًا لقضية الجنوب، ولا تقف ضد الحقوق السياسية المشروعة لشعوبه، بقدر ما ترفض تحويل هذه القضية العادلة إلى أداة صراع، أو فرضها بالقوة العسكرية على مكوّنات جنوبية أخرى، بأسلوب أحادي متعجرف، خارج منطق التوافق والشراكة. فجوهر الموقف السعودي يقوم على حماية الاستقرار، ومنع الانزلاق نحو الفوضى، لا على مصادرة القضايا أو مصادرة الإرادات.
إن ما يُسمّى بالمجلس الانتقالي لا يمثّل الجنوب تمثيلًا جامعًا، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا، وقد كشفت ممارساته خلال السنوات الماضية عن سلوك إقصائي وانقلابي، تلطّخ بدماء بريئة، وأدّى إلى تعميق الانقسام داخل الجسد الجنوبي نفسه. الأخطر من ذلك أن هذا المجلس لا يتعامل مع قضية الجنوب بوصفها مشروعًا وطنيًا جامعًا، بل يسعى إلى اختزالها وحصرها في يده، وتحويلها إلى ورقة ضغط تُدار خارج حدود الإرادة الجنوبية الخالصة.
المشكلة الجوهرية أن المجلس الانتقالي يحاول وضع ملف الجنوب وقضيته في خدمة أجندات خارجية، واستخدامه كأداة ابتزاز سياسي وأمني ضد المملكة العربية السعودية، وضد القوى السياسية اليمنية، وضد الشرعية اليمنية، بما يخدم مصالح الآخرين، لا مصالح الجنوب وأبنائه. هذا التوظيف الخطير لا يهدد فقط وحدة الصف الجنوبي، بل ينسف أي إمكانية لبناء لحمة توافق وطني جنوبي قادرة على فرض قضيتها بعدالة ومسؤولية.
إن الجنوب وقضيته لم يكونا يومًا حكرًا على فصيل أو كيان طارئ. فقد ضحّى من أجل هذه القضية جميع أبناء الجنوب، وأسهمت فيها مختلف القوى السياسية والاجتماعية، وقدّمت تضحيات جسيمة قبل ظهور المجلس الانتقالي وتشكيله بسنوات طويلة. محاولة إلغاء هذا التاريخ، أو شطبه، أو مصادرته، ليست فقط جريمة سياسية، بل خيانة لفكرة الجنوب ذاتها.
لا يمكن إدارة الجنوب بعقلية الغلبة، ولا بناء مستقبله عبر السلاح، ولا فرض مشروعه عبر الدم. الجنوب لا يُختزل في قيادة، ولا يُدار وفق أهواء الداعمين، ولا يُبنى على أنقاض بيوت أبناء حضرموت أو غيرهم، ولا على قتل القيادات الاجتماعية والقبلية التي شكّلت عبر التاريخ صمام أمان المجتمع الجنوبي.
إن الطريق الوحيد لحماية قضية الجنوب هو إخراجها من دائرة التوظيف الخارجي، وإعادتها إلى حضنها الطبيعي: التوافق الجنوبي، والشراكة السياسية، والاعتراف المتبادل، والعمل ضمن إطار وطني يحترم الدم الجنوبي ويصونه. وما لم يدرك المجلس الانتقالي الجنوبي هذه الحقيقة، ويتوقف عن العبث بالقضية، فإن الجنوب سيدفع ثمنًا باهظًا لصراع لا يخدم إلا مصالح الآخرين، على حساب وحدته ومستقبله.
.







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق