تابعت، كما تابع غيري ، برنامج قناة "العربية" الذي تناول محطات من حياة الرئيس الأسبق، علي عبدالله صالح – رحمه الله تعالى – والذي أُعدّ وأُخرج بمهنية واحترافية راقية.
ورغم ما حفلت به الحلقات من عناصر الإثارة والتشويق، إلا أن ما استوقفني حقًا، وجذب انتباهي بشدة، كان ما خُتم به البرنامج من مشهد للرئيس الراحل، وهو يحمل ورقة وقلمًا، ويقول بكلمات: "تعلّموا مني الزعامة والقيادة والفن."
اتفقنا أو اختلفنا مع مضمون هذه الكلمات، إلا أن التاريخ يشهد بأن لصالح مدرسة خاصة في فنون القيادة، ومهارات الإدارة السياسية، أثبتت أن الزعامة الحقيقية لا تُدرّس في جامعات ولا تُلقّن في قاعات السياسة، بل تُصنع في ميادين الحياة، وتُختبر في لحظات الشدائد والتحولات الكبرى.
ومن أبرز سمات هذه المدرسة، والتي عبّر عنها صالح في حياته بقوله إن حكم اليمن أشبه : "بالرقص على رؤوس الثعابين"، و ملامحها هي قدرته على إدارة التناقضات، وتوظيفها لصالح مشروعه السياسي. فقد كان يؤمن بقاعدة عميقة في دنيا السياسة: "لا صديق دائم، ولا عدو دائم."
وهي قاعدة لها جذور في مقاصد الشريعة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما."
وقال تعالى:
"ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم"
وقوله سبحانه:
"وعسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة"
هكذا كان صالح، لا يعرف ثباتًا على تحالف إلا إذا اقتضته مصلحة سياسية في نظره. فتارةً تجده في خندق واحد مع رجال القبائل والإصلاح وقادته العسكريين ضد خصومهم، وتارةً أخرى يقف جنبًا إلى جنب مع خصومه ضدهم ، كما فعل في تحالفه مع الحوثيين ثم نكثهم به.
وكان ذلك مرآةً لحالةٍ سياسيةٍ معقدة، تتأرجح بين فقه "المداراة لمصلحة عامة راجحة"، وبين منزلق النفاق السياسي والفرق بينهما كما بين النور والظلام. فالأولى محمودة، والثانية مذمومة ونعوذ بالله من النفاق.
ومن الدروس البليغة التي خرجت بها من هذا البرنامج، ما لاحظته من سلبية الجماهير وضحالة وعي بعض الشعوب، وسرعة تأثرها بالعاطفة دون تمحيص أو تعقّل.
فالجماهير التي ملأت ساحات صنعاء تطالب برحيل صالح، هي ذاتها التي عادت لتناشده البقاء، وكادت أن تُرجح له كفة البقاء لولا أمر أراده الله، وكان قدرًا مقدورًا.
وإن كانت لي كلمة أخيرة، فهي نداء إلى كل القيادات السياسية في أمتنا العربية والإسلامية:
ارحموا شعوبكم، وكونوا عونًا لهم لا عونًا عليهم. اجعلوا مصالح أوطانكم فوق كل اعتبار، وارفعوا عن الناس الظلم والجور، وابنوا لهم وطنًا يفاخرون به الأمم، وعيشًا كريمًا يليق بإنسانيتهم.
فـالزعامة ليست مقامًا يُتوارث، ولا كرسيًا يُحتكر، بل هي أمانة في أعناقكم، وموضعها الحقيقي ليس القصور، بل صدور الشعوب وقلوب الأحرار.
واعلموا أن الله سائلكم عن هذه الأمانة، وعن هذه الرعية: هل حفظتموها أم ضيّعتموها؟
فهل من صحوة ضمير تعيد للاوطان كرامتها؟
وهل من وعي يُلهم النخب أن الشعوب ليست خدمًا لحكامها، بل الحكّام خدم لشعوبهم؟
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رُشد، يُعزّ فيه أهل الطاعة، ويُهدى فيه أهل الضلالة، وتُولى فيه أمورنا لمن خافك واتقاك.
اللهم جنّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعل ولاتنا من خيارنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
ورغم ما حفلت به الحلقات من عناصر الإثارة والتشويق، إلا أن ما استوقفني حقًا، وجذب انتباهي بشدة، كان ما خُتم به البرنامج من مشهد للرئيس الراحل، وهو يحمل ورقة وقلمًا، ويقول بكلمات: "تعلّموا مني الزعامة والقيادة والفن."
اتفقنا أو اختلفنا مع مضمون هذه الكلمات، إلا أن التاريخ يشهد بأن لصالح مدرسة خاصة في فنون القيادة، ومهارات الإدارة السياسية، أثبتت أن الزعامة الحقيقية لا تُدرّس في جامعات ولا تُلقّن في قاعات السياسة، بل تُصنع في ميادين الحياة، وتُختبر في لحظات الشدائد والتحولات الكبرى.
ومن أبرز سمات هذه المدرسة، والتي عبّر عنها صالح في حياته بقوله إن حكم اليمن أشبه : "بالرقص على رؤوس الثعابين"، و ملامحها هي قدرته على إدارة التناقضات، وتوظيفها لصالح مشروعه السياسي. فقد كان يؤمن بقاعدة عميقة في دنيا السياسة: "لا صديق دائم، ولا عدو دائم."
وهي قاعدة لها جذور في مقاصد الشريعة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أحبب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما."
وقال تعالى:
"ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم"
وقوله سبحانه:
"وعسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة"
هكذا كان صالح، لا يعرف ثباتًا على تحالف إلا إذا اقتضته مصلحة سياسية في نظره. فتارةً تجده في خندق واحد مع رجال القبائل والإصلاح وقادته العسكريين ضد خصومهم، وتارةً أخرى يقف جنبًا إلى جنب مع خصومه ضدهم ، كما فعل في تحالفه مع الحوثيين ثم نكثهم به.
وكان ذلك مرآةً لحالةٍ سياسيةٍ معقدة، تتأرجح بين فقه "المداراة لمصلحة عامة راجحة"، وبين منزلق النفاق السياسي والفرق بينهما كما بين النور والظلام. فالأولى محمودة، والثانية مذمومة ونعوذ بالله من النفاق.
ومن الدروس البليغة التي خرجت بها من هذا البرنامج، ما لاحظته من سلبية الجماهير وضحالة وعي بعض الشعوب، وسرعة تأثرها بالعاطفة دون تمحيص أو تعقّل.
فالجماهير التي ملأت ساحات صنعاء تطالب برحيل صالح، هي ذاتها التي عادت لتناشده البقاء، وكادت أن تُرجح له كفة البقاء لولا أمر أراده الله، وكان قدرًا مقدورًا.
وإن كانت لي كلمة أخيرة، فهي نداء إلى كل القيادات السياسية في أمتنا العربية والإسلامية:
ارحموا شعوبكم، وكونوا عونًا لهم لا عونًا عليهم. اجعلوا مصالح أوطانكم فوق كل اعتبار، وارفعوا عن الناس الظلم والجور، وابنوا لهم وطنًا يفاخرون به الأمم، وعيشًا كريمًا يليق بإنسانيتهم.
فـالزعامة ليست مقامًا يُتوارث، ولا كرسيًا يُحتكر، بل هي أمانة في أعناقكم، وموضعها الحقيقي ليس القصور، بل صدور الشعوب وقلوب الأحرار.
واعلموا أن الله سائلكم عن هذه الأمانة، وعن هذه الرعية: هل حفظتموها أم ضيّعتموها؟
فهل من صحوة ضمير تعيد للاوطان كرامتها؟
وهل من وعي يُلهم النخب أن الشعوب ليست خدمًا لحكامها، بل الحكّام خدم لشعوبهم؟
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رُشد، يُعزّ فيه أهل الطاعة، ويُهدى فيه أهل الضلالة، وتُولى فيه أمورنا لمن خافك واتقاك.
اللهم جنّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واجعل ولاتنا من خيارنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق