إن السلاح والطيران والمال الذي يُقدَّم اليوم للمجلس الانتقالي، والذي يبدو ظاهرياً رافعةً لمشروعه السياسي، قد يتحول في عمق المشهد إلى العامل الأكثر خطورة على مستقبل فكرة الانفصال واستعادة الدولة. فالدعم الذي يُستخدم حالياً في توجيه القوة ضد مؤسسات الدولة وضد قوى سياسية تربطها علاقات ممتدة مع النظامين السعودي والإماراتي، هو ذاته الدعم القادر على إعادة توجيه مسار الجنوب بالكامل عندما يكتمل المشهد وينضج المخطط الإقليمي. ومن يوجه سلاحه اليوم نحو حلفائه وشركائه لن يتردد في إعادة توجيهه غداً نحو الانتقالي ذاته متى اقتضت الحسابات ذلك.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح الانتقالي مطالباً بالوقوف أمام جملة أسئلة مصيرية لا يمكن تجاوزها بخطاب تعبوي أو وعود غير مؤكدة. هل يمتلك الجنوب ضمانات رسمية مكتوبة، دولية أو إقليمية، تؤطر قضيته وتحمي حقه في تقرير المصير؟ وهل ستسمح القوى المانحة للانتقالي بالمضي قدماً نحو مشروع دولة مستقلة تمتلك قرارها بعيداً عن التدخلات الخارجية؟ أم أن الدعم سيظل محدوداً وموجَّهاً بحيث لا يتجاوز سقف السيطرة وضمان الولاء والتبعية؟
إن التجربة القائمة على الدعم المشروط تكشف أن الدول الداعمة لا تمنح السلاح لتأسيس قوة مستقلة، بل لبناء هياكل نفوذ تضمن بقاء القرار في حدود مصالحها. وما يجري اليوم من تشكيلات عسكرية ذات ولاء عقائدي واضح—مثل درع الوطن والعمالقة وغيرها—لا يأتي في إطار مشروع جنوبي، بل ضمن مشروع إقليمي متكامل يُعاد فيه توزيع القوة بما يخدم الرياض وأبوظبي بالدرجة الأولى. وهذه القوات التي تبدو في ظاهرها حليفة للانتقالي هي الأكثر استعداداً للتوجه ضده إذا لزم الأمر، لأنها محكومة ببنية ولاء تتجاوز الجغرافيا والانتماء، وتستجيب مباشرة لمراكز القرار التي صنعتها ومولتها.
والخطير أن هذه التشكيلات هي نفسها التي يمكن، في لحظة واحدة، أن تُمنح فتوى سياسية أو دينية أو عسكرية تضع الانتقالي في خانة الخصومة، وأن تُستخدم كأداة لمواجهته وتفكيك نفوذه كما استُخدمت من قبل ضد أطراف أخرى. فالمشروع الذي جرى بناؤه ضد الشرعية والقوى والأحزاب الوطنية—والذي كان الانتقالي جزءاً من تنفيذه—سيعود ليطال كل الأطراف دون استثناء، بما فيها الانتقالي نفسه.
إن مستقبل الجنوب لا يُبنى على السلاح الذي يمنحه الآخرون، بل على قدرة أبنائه على امتلاك قرارهم وسيادتهم. وما لم تتم مصارحة الشعب بحقيقة حدود الدعم وشروطه ومآلاته، فإن المشروع الجنوبي سيظل معلقاً بين رغبة شعب لا يملك أدوات القوة، وقوة تُدار من خارج الحدود ولا ترى في الجنوب سوى ساحة نفوذ ومصالح.







ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق